الثلاثاء، 14 يناير 2020

التوحيد

الإسلام جاء بالتوحيد، ولما كانت هناك قبور يعبد من فيها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسويتها، ولكن بناء مسجد بجوار القبر ليس من هذا التعظيم ولا العبادة؛ يعني لم نر إلى الآن في الأمة الإسلامية من يدعي أنه يعبد سيدنا الحسين أو حتى سيدنا محمد! فقد وقى الله الأمة الإسلامية من هذا.
يقول الإمام البيضاوي: فبناء المسجد بجوار القبر حسنٌ وفيه ثواب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات أبو بصير في (سِيف) البحر دفنوه وبنوا عليه مسجدا أخرجه موسى بن عقبة بسند صحيح، وموسى بن عقبة من رجال البخاري ومن الأئمة الكبار ومن أول أو من أوائل من ألَّف في السيرة، إذن حدث هذا على عهد النبي ولم ينكر.
قال تعالى {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً } ولم ينكر الله عليهم شيئا؛ فتبين من ذلك أن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم أحسن ما يختار، فاختار لنبيه أن يكون قبره في مسجده، وليس وحده بل معه عمر وأبو بكر رضي الله تعالى عنهما، فدل هذا على أن هذا ليس خاصًا بالأنبياء بل والأولياء أيضًا.
إذن القرآن والسنة يجيز هذا، نحن لا نعرف إلا الكتاب والسنة، فما دام الكتاب قد أجاز والسنة أجازت فأحكام الشريعة تؤخذ منها، وعلى ذلك علماء الإسلام شرقًا وغربًا سلفًا وخلفا من طنجا إلى جاكرتا ومن غانا إلى فرغانا لا نعلم في ذلك مخالفًا إلا في القرون المتأخرة، والخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف، فنحن نتبع السلف الصالح ابتداءًا من أبي بصير وانتهاءًا بقبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على ماهو الحال مما أجمعت عليه الأمة، فإذا قال أحدهم: فلان يقول غير ذلك وعلان يؤيده ... إلخ فلا شأن لنا بهؤلاء وإنما شأننا بالكتاب والسنة؛ ففي الكتاب {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} وقد كانوا مؤمنين بالسياق والسباق {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً} مسجدًا يصلون فيه، وكذلك في السنة: أبو بصير بنوا عليه مسجدًا فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم ولم يقل: اهدموا هذا المسجد.
فما الإشكال إذن؟! الإشكال هو في حديث البخاري والذي فهمه بعضهم فهمًا مقلوبًا حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبياءهم وأولياءهم مساجد) فالمسكين ظن مساجد يعني مسجد الأزهر ومسجد سيدنا الحسين! أبدًا، مساجد يعني يسجدون لها، فمسجد مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، والمصدر الميمي مادام يصلح للدلالة على المكان فحقيقته في المكان يعني موطن السجود، يعني القبر أتوا وسجدوا له أي جعلوا القبور مساجد أو بنوا أشياء يسجدون عليها يضعون رأسهم مثل الفاتيكان حيث تجد قبر بطرس عليه مساجد يسجدون عليها.
يعني إذن الجامع يطلق بإطلاقين: يطلق حقيقةً على السجود لمن في القبر، ومن فعل ذلك فقد كفر باتفاق الأمة، والحمد لله وقى الله الأمة الإسلامية من ذلك.
ويطلق على الجوامع لأنها أيضًا يسجد فيها، ولكن على سبيل المجاز حيث أطلقنا بعضها على كلها، وإطلاق البعض على الكل عبارة عن مجاز، وكذلك إطلاق الكل على البعض مجاز مثل {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } يعني أناملهم {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ } فأطلق الجزء وأراد الكل وأطلق الجزء وأراد الكل، وهذا جميعه جائز، وإذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز حُمل على الحقيقة، إذن هنا مساجد معناها أن يسجدوا لمن في القبر لا أن يُبنى حول القبر مسجدا، هكذا فهم علماء الأمة منذ قرون طويلة.
الشيخ العيني والشيخ القسطلاني والشيخ ابن حجر كان ابن حجر شافعيًا والشيخ العيني كان حنفيًا وكانوا أئمة كبار يسكنون في هذه المناطق ويدرّسون في هذه المساجد؛ وكانوا فاهمين اللغة فاهمين الأصول فاهمين الحديث فاهمين القرآن فاهمين الأحكام ليسوا هم فقط بل العلماء من طنجا إلى جاكرتا من غانا إلى فرغانا.
ولم يفهم أحد يعني الفهم الثاني وهو أن هذه المساجد حرام إلا إذا كان طالبًا بليدًا لم يتعلم بعد، أو إمامًا من الأئمة ولكنه كان في أول حياته العلمية ثم يرجع بعد ذلك فالسيوطي ألَّف وهو عنده 17 سنة والنووي ألف صحيح مسلم وهو عنده 20 سنة، وعلى كل حال لم يقولوا ما فهمه بعضهم ولكن هم قد أخذوا كلمة من هنا وكلمة من هنا قمَّش يسمونه (التقميش) افرض أن بعضهم قال وبعضهم قال كلامًا آخر فلماذا أنت مصمم أن تُخرج الناس من الإسلام وتخرج الناس من الإيمان وتجعل المسلمين مشركين ويصدق عليك كلام ابن عمر فيما أخرجه البخاري في شأن الخوارج (يذهبون إلى آياتٍ أنزلها الله في المشركين فيجعلونها في المسلمين) كيف يكون وضعك يوم القيامة وماذا ستقول لربك؟!
فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، لم يقل كونوا من الصادقين لأن من الصادقين سهلة وفيها نصوص كثيرة، لا تكن مع الكذاب ولا تكن إلا مع الصادق.

فضيلة الإمام العلامة أ.د. #علي_جمعة (الشافعي)






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق