التصوف هو : عبارة عن مرتبة الإحسان التى ذكرت فى حديث سيدنا جبريل عليه السلام.
وكان الْجُنيد يقول: طريقنا هذا -إلى الله- مقيد بالكتاب وَالسُّنَّة.
ولذلك قالوا: إن طريقنا مقيد بالذكر والفكر.
تريد أن تسلك طريق الله، ماذا تفعل؟ عليك بالذكر ، قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ، والفكر {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}.
وبعد الذكر والفكر، تأتي: المناجاة، الدعاء .
وماذا أيضًا ؟ قلة المنام، قلة الطعام، قلة الأنام، قلة الكلام.
ومن أين أتي هذا الكلام ؟ سيدنا النبي ﷺ أوصانا بالصمت (قلة الكلام)، وقال: «إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتًا، فاعلموا أنه يُلَقَّى الحكمة».
وربنا سبحانه وتعالى يقول: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }، وقال ﷺ: «اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك، أضمن لك الجنة».
وكان شأن الأنبياء الصمت؛ حتى إن ابن أبي الدنيا أَلَّفَ كتابًا ضخمًا، أورد فيه كل الأحاديث الواردة عن فضيلة الصمت.
قلة الطعام: عندنا صيام شهر رمضان، وسيدنا رسول الله ﷺ ، كان يصوم الاثنين، والخميس، وكان يصوم ثلاثة من كل شهر، وكان يصوم أغلب المحرم، وأغلب شعبان، وكان يصوم التسعة الأوائل من ذي الحجة، وكان ﷺ يصوم كثيرا.
وعندما تحصي ما ورد في السُّنَّة عن الصيام، تجد أكثر من ست شهور، يعني نصف الدهر مع رمضان، فيكون أزيد من نصف الدهر –سبع شهور-.
قلة الطعام : سيدنا النبي ﷺ يقول : «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإن كان لابد فاعلًا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
قلة المنام : {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}.
ومعني التهجد : أن تترك النوم ابتغاء العبادة لها ثواب كبير، وقيام الليل وفضل قيام الليل.
قلة الأنام : معناها: الانكفاف عن الناس، العزلة الطيبة، التي تمكنك من التفكر والتدبر.
وهذا في الاعتكاف حتى إن الإمام الشافعي يوصينا أيضًا أخذًا من السُّنَّة: بأن الإنسان عندما يدخل المسجد، يقول: نويت سُنَّة الاعتكاف، جلس عشر دقائق، ربع ساعة، صلى وانصرف، مفيش مانع.
وهناك من سيأتي ويقول : أنت تريد من الناس أن تعتزل؟
فالسادة الصوفية وجدت حل لهذا الأمر فقالوا : "خلوتهم في جلوتهم".
فالسادة الصوفية لم يقولوا : انعزل، واحبس نفسك في البيت. لا، بل جعلوا عمل الإنسان بيده، واكتسابه لرزقه من عمل يده، هو أساس التصوف.
ولكن كيف أعتزل؟
قالوا : بقلبك، تعتزل بقلبك، درب قلبك على هذه العزلة، التي لا تغتاب فيها، ولا تَنِمْ، ولا تتكبر، ولا تدخل في مهاترات الناس، وأنت لست طرفًا فيها ، قلل من تبعاتك مع الخلق، وتفكر. هذه هى العزلة.
إذن العزلة هنا عزلة شعورية، قلبية، روحية، الغرض منها الطمأنينة، وعدم مخالطة المعاصي.
العزلة هنا معناها إتاحة مساحة أكثر للتفكر.
الصوفية التي تهتم بالذكر والفكر، تهتم أيضًا بالتخلية والتحلية "خلي قلبك من كل قبيح وحلي قلبك بكل صحيح".
ومن دعاء السادة أهل الله : " اللهم اجعل الدنيا في أيدينا، ولا تجعلها في قلوبنا"، لماذا؟
لأن الزاهد الحقيقي، هو مَنْ كانت الدنيا في يده، فزهد فيها؛ لكن الدنيا ليست في يديه، فهو زاهد كذاب، لأن الدنيا لم تأتي له أصلا فبماذا يزهد ؟
هو ليس له إِلَّا التواضع، وليس الزهد؛ لكن هتدعي الزهد، فلابد أن تكون الدنيا في يدك.
لقد صرنا نعيش في مجتمعات تسيطر عليها المادية وتحركها شهوات وأهواء، دفعت الإنسانية إلى ارتكاب أفظع الجرائم في حق الكون "الإنسان، والنبات ، والحيوان ، والجماد".
حتى صرنا مهددين بدمار العالم ، حيث إن طغيان المادة جعل الروح تنزوي وتضعف، وجعل العقل والفكر تتخبطه دوافع من المصالح الآنية والأغراض الذاتية.
وهنا يقوم التصوف بإصلاح ما فسد في حياتنا في العصر الحاضر، إنه يزيد فرصة التواصل مع الآخرين والتحاور والتعارف معهم من أجل خدمة الإنسان وتيسير سبل عيشه، وتبصرته بآخرته ومآله إلى ربه ومرجعه إليه، إن الإيمان بالله واليوم الآخر يدفع الإنسان إلى الإحسان إلى نفسه وتقويمها والمحافظة عليها ، وكذلك الإحسان إلى الخلق وتقديم النافع لهم وإبعاد الضار عنهم.
إن الجماعات الضالة التي نبذت التصوف؛ وحاربته ؛ واستقطبت شباب الأمة ورجالها ونساءها إلى ضلالها المبين؛ نشرت الخراب في بلاد الإسلام وغيرها، وشوهت صورة الإسلام في العالمين، بما ارتكبته من فظائع وجرائم، ولقد آن أن يتوقف هؤلاء النابتة الخوارج عما يفعلون، ويتركون فرصة لإصلاح ما أفسدوه، بالعودة إلى سماحة الإسلام وعظمته ورحمته، وتأصيل وسطيته الصحيحة ، وهداية الخلق وتعريفهم بصحيح الدين ، وجمال الشريعة.
من كتاب : مدخل إلى التصوف الإسلامي
إمام الائمة وبدر التتمه وحجة الشافعيه الإمام العلامه نور الدين على جمعه الشافعى الازهرى المصري
وكان الْجُنيد يقول: طريقنا هذا -إلى الله- مقيد بالكتاب وَالسُّنَّة.
ولذلك قالوا: إن طريقنا مقيد بالذكر والفكر.
تريد أن تسلك طريق الله، ماذا تفعل؟ عليك بالذكر ، قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ، والفكر {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}.
وبعد الذكر والفكر، تأتي: المناجاة، الدعاء .
وماذا أيضًا ؟ قلة المنام، قلة الطعام، قلة الأنام، قلة الكلام.
ومن أين أتي هذا الكلام ؟ سيدنا النبي ﷺ أوصانا بالصمت (قلة الكلام)، وقال: «إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتًا، فاعلموا أنه يُلَقَّى الحكمة».
وربنا سبحانه وتعالى يقول: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }، وقال ﷺ: «اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك، أضمن لك الجنة».
وكان شأن الأنبياء الصمت؛ حتى إن ابن أبي الدنيا أَلَّفَ كتابًا ضخمًا، أورد فيه كل الأحاديث الواردة عن فضيلة الصمت.
قلة الطعام: عندنا صيام شهر رمضان، وسيدنا رسول الله ﷺ ، كان يصوم الاثنين، والخميس، وكان يصوم ثلاثة من كل شهر، وكان يصوم أغلب المحرم، وأغلب شعبان، وكان يصوم التسعة الأوائل من ذي الحجة، وكان ﷺ يصوم كثيرا.
وعندما تحصي ما ورد في السُّنَّة عن الصيام، تجد أكثر من ست شهور، يعني نصف الدهر مع رمضان، فيكون أزيد من نصف الدهر –سبع شهور-.
قلة الطعام : سيدنا النبي ﷺ يقول : «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإن كان لابد فاعلًا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
قلة المنام : {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}.
ومعني التهجد : أن تترك النوم ابتغاء العبادة لها ثواب كبير، وقيام الليل وفضل قيام الليل.
قلة الأنام : معناها: الانكفاف عن الناس، العزلة الطيبة، التي تمكنك من التفكر والتدبر.
وهذا في الاعتكاف حتى إن الإمام الشافعي يوصينا أيضًا أخذًا من السُّنَّة: بأن الإنسان عندما يدخل المسجد، يقول: نويت سُنَّة الاعتكاف، جلس عشر دقائق، ربع ساعة، صلى وانصرف، مفيش مانع.
وهناك من سيأتي ويقول : أنت تريد من الناس أن تعتزل؟
فالسادة الصوفية وجدت حل لهذا الأمر فقالوا : "خلوتهم في جلوتهم".
فالسادة الصوفية لم يقولوا : انعزل، واحبس نفسك في البيت. لا، بل جعلوا عمل الإنسان بيده، واكتسابه لرزقه من عمل يده، هو أساس التصوف.
ولكن كيف أعتزل؟
قالوا : بقلبك، تعتزل بقلبك، درب قلبك على هذه العزلة، التي لا تغتاب فيها، ولا تَنِمْ، ولا تتكبر، ولا تدخل في مهاترات الناس، وأنت لست طرفًا فيها ، قلل من تبعاتك مع الخلق، وتفكر. هذه هى العزلة.
إذن العزلة هنا عزلة شعورية، قلبية، روحية، الغرض منها الطمأنينة، وعدم مخالطة المعاصي.
العزلة هنا معناها إتاحة مساحة أكثر للتفكر.
الصوفية التي تهتم بالذكر والفكر، تهتم أيضًا بالتخلية والتحلية "خلي قلبك من كل قبيح وحلي قلبك بكل صحيح".
ومن دعاء السادة أهل الله : " اللهم اجعل الدنيا في أيدينا، ولا تجعلها في قلوبنا"، لماذا؟
لأن الزاهد الحقيقي، هو مَنْ كانت الدنيا في يده، فزهد فيها؛ لكن الدنيا ليست في يديه، فهو زاهد كذاب، لأن الدنيا لم تأتي له أصلا فبماذا يزهد ؟
هو ليس له إِلَّا التواضع، وليس الزهد؛ لكن هتدعي الزهد، فلابد أن تكون الدنيا في يدك.
لقد صرنا نعيش في مجتمعات تسيطر عليها المادية وتحركها شهوات وأهواء، دفعت الإنسانية إلى ارتكاب أفظع الجرائم في حق الكون "الإنسان، والنبات ، والحيوان ، والجماد".
حتى صرنا مهددين بدمار العالم ، حيث إن طغيان المادة جعل الروح تنزوي وتضعف، وجعل العقل والفكر تتخبطه دوافع من المصالح الآنية والأغراض الذاتية.
وهنا يقوم التصوف بإصلاح ما فسد في حياتنا في العصر الحاضر، إنه يزيد فرصة التواصل مع الآخرين والتحاور والتعارف معهم من أجل خدمة الإنسان وتيسير سبل عيشه، وتبصرته بآخرته ومآله إلى ربه ومرجعه إليه، إن الإيمان بالله واليوم الآخر يدفع الإنسان إلى الإحسان إلى نفسه وتقويمها والمحافظة عليها ، وكذلك الإحسان إلى الخلق وتقديم النافع لهم وإبعاد الضار عنهم.
إن الجماعات الضالة التي نبذت التصوف؛ وحاربته ؛ واستقطبت شباب الأمة ورجالها ونساءها إلى ضلالها المبين؛ نشرت الخراب في بلاد الإسلام وغيرها، وشوهت صورة الإسلام في العالمين، بما ارتكبته من فظائع وجرائم، ولقد آن أن يتوقف هؤلاء النابتة الخوارج عما يفعلون، ويتركون فرصة لإصلاح ما أفسدوه، بالعودة إلى سماحة الإسلام وعظمته ورحمته، وتأصيل وسطيته الصحيحة ، وهداية الخلق وتعريفهم بصحيح الدين ، وجمال الشريعة.
من كتاب : مدخل إلى التصوف الإسلامي
إمام الائمة وبدر التتمه وحجة الشافعيه الإمام العلامه نور الدين على جمعه الشافعى الازهرى المصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق