ما حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟
الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين صحيحةٌ ومشروعةٌ، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك ثابت بالكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي.
فمن القرآن الكريم: قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: 21]، وسياق الآية يدل على أن القول الأول هو قول المشركين، وأن القول الثاني هو قول الموحِّدين، وقد حكى الله تعالى القولين دون إنكار؛ فدل ذلك على إمضاء الشريعة لهما، بل إن سياق قول الموحدين يفيد المدح؛ بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك، بينما جاء قول الموحدين قاطعًا وأن مرادهم ليس مجرد البناء بل المطلوب إنما هو المسجد.
قال الإمام الرازي في تفسير ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: 21]: [نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد] اهـ.
وقال الشهاب الخفاجي في "حاشيته" على "تفسير البيضاوي": [في هذه دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين] اهـ.
ومن السُّنَّة: حديث أبي بصير رضي الله عنه، الذي رواه عبد الرزاق عن مَعمَر، وابن إسحاق في "السيرة"، وموسى بن عُقبة في "مغازيه" -وهي أصح المغازي كما يقول الإمام مالك- ثلاثتهم عن الزُّهرِي، عن عُروة بن الزُّبَير، عن المِسوَر بن مَخرَمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهم: "أن أبا جَندَلِ بن سُهَيل بن عمرو دفن أبا بَصِير رضي الله عنه لَمَّا مات وبنى على قبره مسجدًا بـ(سِيف البحر)، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة". وهذا إسناد صحيح؛ كله أئمة ثقات، ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يَرِد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في مسجد الخَيفِ قَبرُ سبعين نبيًّا» أخرجه البزار والطبراني في المعجم الكبير، وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار": [هو إسناد صحيح] اهـ.
وقد ثبت في الآثار أن سيدنا إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر رضي الله عنها قد دُفِنا في الحِجر من البيت الحرام، وهذا هو الذي ذكره ثقات المؤرخين واعتمده علماء السِّيَر؛ كابن إسحاق في "السيرة"، وابن جرير الطبري في "تاريخه"، والسهيلي في "الروض الأُنف"، وابن الجوزي في "المنتظم"، وابن الأثير في "الكامل"، والذهبي في "تاريخ الإسلام"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وغيرهم من مؤرخي الإسلام، وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ولم يأمر بنبش هذه القبور وإخراجها من مسجد الخيف أو من المسجد الحرام.
- وأما فعل الصحابة: فقد حكاه الإمام مالك في "الموطأ" بلاغًا صحيحًا عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: [فقال ناسٌ: يُدفَنُ عندَ المِنبَرِ، وقال آخَرُونَ: يُدفَنُ بالبَقِيعِ، فجاءَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم يقولُ: «ما دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إلَّا في مَكانِه الذي تُوُفِّيَ فيه»، فحُفِرَ له فيه] اهـ، والمنبر من المسجد قطعًا، ولم ينكر أحد من الصحابة هذا الاقتراح، وإنما عدل عنه أبو بكر تطبيقًا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُدفَن حيث قُبِضَت روحه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم؛ فدُفِن في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها المتصلة بالمسجد الذي يصلي فيه المسلمون، وهذا هو نفس وضع المساجد المتصلة بحجرات أضرحة الأولياء والصالحين في زماننا.
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي جمعة (الشافعى)
مفتي الديار المصرية
يقول الإمام الرائد محمد زكي الدين إبراهيم رضى الله عنه
لاحظ بعضُ إخواننا أن قلة من كبار الناس أو صغارهم من ضيوف مصر، أو من مقلديهم بمصر يفضلون الصلاة بالجامع الأزهر على الصلاة بمسجد الإمام الحسين ؛ بحجة أنَّ الجامع الأزهر يفضل مسجد الحسين بأنه غير ملحق به ضريح ولا مقبرة، ونجيب إخواننا على هذا من وجوه مقنعة سبق أن أشرنا على بعضها فيما أسلفنا من كتابات حول هذا الموضوع.
فأمَّا أولاً : فإنَّ مسجد المدينة، وهو أحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال شرعًا قد ألحق به قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصية ثابتة منه صلى الله عليه وسلم في الصحاح، ثم بإجماع الصحابة على تنفيذ هذه الوصية، وهم أعلم الخلق بدين الله، ثم إقرار التابعين وتابعيهم في القرون الثلاثة المفضلة، ثم بموافقة الأمة كلها، حتى ذر قرن الفتنة في القرن السابع، ولا نقبل هنا دعوى الخصوصية برسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل أن هؤلاء الصحابة قد دفنوا معه صلى الله عليه وسلم أبا بكر، ثم دفنوا عمر، وغير معقول أن يتكرر منهم الخطأ الواحد ثلاث مرات دون أي نكير من فرد واحد منهم.
وبهذا تكون أدلة المنع منسوخة بالوصية النبوية، والسنة الصحابية، والإقرار التابعي، ثم بموافقة الأمة سلفا وخلفا مدة القرون السبعة الأولى، فلعل المنع إنما كان مما منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم سدا لذرائع الشرك في صدر الإسلام حتى إذا ما استقر الدين، وأرقت الحقائق نسخ هذا المنع بالإباحة كما حدث في زيارة القبور، حين منعت ثم أبيحت، ووجه الشبه والعلاقة واضح بين.
وأما ثانيًا : فقد ثبت في غير حديث معتمد أنَّ بالمسجد الحرام بمكة قبورًا لبعض الأنبياء، ما في ذلك شك، إلا من باب التشغيب أو التعصب المدخول بالجهل أو التزمت أو طلب الشهرة أو استدرار المال الحرام ( كما قلنا وكما سنقول ).
ولقد ذكر التاريخ أنَّ بالمسجد الأقصى قبورًا لبعض الأنبياء والصَّالحين، فإذا صحَّ هذا كما صح وجود قبور الأنبياء بالبيت الحرام، وكما أنَّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجود بمسجد المدينة، فقد أصبحت المساجد الثلاثة المفضلة التي شرع الدين شدَّ الرحال إليها، مستوية من هذه الوجهة مع كل مسجد فيه قبر رجل صالح، فكما تصح الصلاة هناك تصح الصلاة هنا، وكما جاز الدفن هناك يجوز هنا، إذ لا خصوصية ولا استثناء، وبهذا يتضح أنَّ الأمر أهون بكثير جدًا مما صوره المغرضون.
ووجه ثالث : وهو أنَّ أحاديث المنع ما لم تكن منسوخة بما قررناه في " أولا " فهي مؤولة على الأقل، وتأويلها هنا واجب، لئلا تتناقض السنة ويضطرب الدين، أو هي مجموع بينها بوجه من الوجوه، فلا يبتدع المتمسلفة فيها أحكاما كلها دخل، وعندئذ لا تكون فتنة، كما صيرها أهل الأهواء والعمى.
أما الوجه الرابع : فإنَّ الجامع الأزهر نفسه يحتوي عددًا من القبور والأضرحة لا يخصصه بهذه الميزة، إن جاز أن تسمي كذلك، ففي الجامع الأزهر قبر السيدة نفيسة البكرية الصديقية، حفيدة السيد مصطفى البكري، وقبرها معروف بزاوية زينب هانم، وقد دفنت معها السيدة أمينة الشهابية، إحدى الصالحات من أبناء أحد مشاهير علماء هذا الوقت، ودفن معهما أيضا السيدة عائشة السطوحية، أو يقال لها الحصرية، بنت السيد عبد الكريم الإسماعيلي المعروف بابن بقية... إلخ.
وفي الجامع الأزهر قبر الأمير جوهر القنقبائي باني رواق الجوهرية من العلماء وهو خازندار الديوان الملكي الأشرفي، ويحسبه الناس خطأ قبر جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله، وبالجامع الأزهر قبر علاء الدين طيبرس منشئ زواية الطيبرسية المعروفة بالأزهر، وبالأزهر قبر الأمير عبد الرحمن كتخدا مجدد مباني الأزهر، وضريحه معروف بالرواق الذي أنشأه باسم رواق الصعايدة، وبالأزهر ضريح عبد الواحد آقبغا منشئ المدرسة الآقبغاوية " مكتبة الأزهر الآن.
وقد مرت القرون تلو القرون، ودهاقين العلماء، وأقطاب العارفين بالله، وغرانقة الفقه بالدين يتعبدون الله في الأزهر والحسين بالصلاة والدرس، مع وجود القبور، لا ينكر منهم أحد، ولا يؤذن بالفتنة والتشغيب ملتاث أو ملوث.
ومن هنا استحسن أهل العلم وجود القبر إلى جانب المسجد تبركًا بالعبادة وانتفاعًا بدعوات العابدين ومحافظة على القبر أن يندرس أو يمتهن، وتقريبًا للعبرة أو التذكرة ؛ إذ الفكرة الشركية بحمد الله قد انمحت من النفوس، ولم يبق للوثنية محل في عقول المسلمين، والحكم كما يقول الأصوليون يدور مع علته، ولا علة فلا حكم، ومن ثم فإنه لا يوشك أن يوجد مسجد واحد من المساجد المشهورة في أي بلد من بلاد الإسلام إلا كان بجواره قبر وضريح، وقد استوى في ذلك العلماء والحكام، كل بنيته، حتى كانت الأضرحة يوما هي السبب الأول في بناء المساجد، فأدت بذلك أجل خدمة للحضارة الإسلامية، وفنها المعماري بقدر ما أدت أجل الخدمات بانتشار المساجد الكبرى وبقائها إلى الآن، حافظة مظهر الإسلام، مذكرة به، دالة على عظمته، وبعد أن مر على المسلمين الآن ألف وثلاثمائة عام ونيف، لم يعبدوا فيها حجرا، ولا أشرك منهم موحد بقبر - والمنة لله - ليس من المعقول ولا من الديانة أن نقف عند هذه التوافه وصغريات الأمور لنشتغل بها عن كبريات الأحداث فنفيد عدو الإسلام ونخسر الإسلام نفسه.
سيقول قائل جاهل أو مقلد أو أجير : ألا ترى ما يأتيه الناس عند زيارة القبور والأضرحة ؟ أليس هذا هو الكفر والشرك ؟ فنقول حقًّا : هو في لغة الاتجار بالمتسلف، وفي لغة استدرار المال الحرام، وفي لغة الحجِّ المعلول والزيارة المزورة، وفي لغة الجهل والغفلة، وفي لغة الظهور بين الناس من طريق مخالفتهم والشذوذ عنهم، وفي لغة استجلاب الغنى على حساب الدين، نعم في لغة كل هذا شرك، ولكنه ليس كذلك في لغة الدين والعلم، فإنه فلسفة الدين والعلم تقول : إن تسمية خطأ الزائر شركًا تضليلٌ وتغييرٌ للحقائق، ونقلٌ للأحكام إلى غير مواضعها، ثم إنَّ تسمية الأشياء بغير أسمائها في دين الله كذب، ينبغي ألا يتصف به إلا الأراذل الجرآء، وإلا أشباه القرود والببغاوات من الأناسي المقلدة، وإلا كل نفعي وصولي يزدلف الناس ولا يخشى الله.
حب رسول الله وآل بيته وأولياء الله الصالحين :
حب رسول الله فطرة الله التي فطر الناس عليها .. أما يفعله الخوارج من تحويل مسار المسلمين عن قِبلة الحب والارواح و صرف قلوبهم عن محبة سيدنا رسول الله وإظهار الجفاء والقسوة له بدلا من محبته ومعرفة عظم قدره والتأدب في حضرته الشريفة .. هذا هو خلاف الفطرة ، هذه نزعة شيطانية في نفوس هؤلاء ، ولا عجب في ذلك اذا كان هذا معتقدهم عن سيدنا رسول الله ،أنه ميت لا ينفع ولا فائدة له وإنتهت فائدته بتبليغ الدعوة فقط .. وحاشاه رسول الله أن يكون كذلك ، فهو صلي الله عليه وسلم حي بيننا وحبه قائم بين أضلعنا .. رسول الله حي في روضته ينظر في صحائف أعمال أمته ويستغفر لهم ويرد عليهم السلام ... بأبي أنت وأمي ونفسي يا سيدي يا رسول الله .. طبت حيا وميتا يا خير خلق الله .. يا صاحب الهدي و الشفاعة .
الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين صحيحةٌ ومشروعةٌ، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك ثابت بالكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي.
فمن القرآن الكريم: قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: 21]، وسياق الآية يدل على أن القول الأول هو قول المشركين، وأن القول الثاني هو قول الموحِّدين، وقد حكى الله تعالى القولين دون إنكار؛ فدل ذلك على إمضاء الشريعة لهما، بل إن سياق قول الموحدين يفيد المدح؛ بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك، بينما جاء قول الموحدين قاطعًا وأن مرادهم ليس مجرد البناء بل المطلوب إنما هو المسجد.
قال الإمام الرازي في تفسير ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: 21]: [نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد] اهـ.
وقال الشهاب الخفاجي في "حاشيته" على "تفسير البيضاوي": [في هذه دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين] اهـ.
ومن السُّنَّة: حديث أبي بصير رضي الله عنه، الذي رواه عبد الرزاق عن مَعمَر، وابن إسحاق في "السيرة"، وموسى بن عُقبة في "مغازيه" -وهي أصح المغازي كما يقول الإمام مالك- ثلاثتهم عن الزُّهرِي، عن عُروة بن الزُّبَير، عن المِسوَر بن مَخرَمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهم: "أن أبا جَندَلِ بن سُهَيل بن عمرو دفن أبا بَصِير رضي الله عنه لَمَّا مات وبنى على قبره مسجدًا بـ(سِيف البحر)، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة". وهذا إسناد صحيح؛ كله أئمة ثقات، ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يَرِد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في مسجد الخَيفِ قَبرُ سبعين نبيًّا» أخرجه البزار والطبراني في المعجم الكبير، وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار": [هو إسناد صحيح] اهـ.
وقد ثبت في الآثار أن سيدنا إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر رضي الله عنها قد دُفِنا في الحِجر من البيت الحرام، وهذا هو الذي ذكره ثقات المؤرخين واعتمده علماء السِّيَر؛ كابن إسحاق في "السيرة"، وابن جرير الطبري في "تاريخه"، والسهيلي في "الروض الأُنف"، وابن الجوزي في "المنتظم"، وابن الأثير في "الكامل"، والذهبي في "تاريخ الإسلام"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وغيرهم من مؤرخي الإسلام، وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ولم يأمر بنبش هذه القبور وإخراجها من مسجد الخيف أو من المسجد الحرام.
- وأما فعل الصحابة: فقد حكاه الإمام مالك في "الموطأ" بلاغًا صحيحًا عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: [فقال ناسٌ: يُدفَنُ عندَ المِنبَرِ، وقال آخَرُونَ: يُدفَنُ بالبَقِيعِ، فجاءَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم يقولُ: «ما دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إلَّا في مَكانِه الذي تُوُفِّيَ فيه»، فحُفِرَ له فيه] اهـ، والمنبر من المسجد قطعًا، ولم ينكر أحد من الصحابة هذا الاقتراح، وإنما عدل عنه أبو بكر تطبيقًا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُدفَن حيث قُبِضَت روحه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم؛ فدُفِن في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها المتصلة بالمسجد الذي يصلي فيه المسلمون، وهذا هو نفس وضع المساجد المتصلة بحجرات أضرحة الأولياء والصالحين في زماننا.
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي جمعة (الشافعى)
مفتي الديار المصرية
يقول الإمام الرائد محمد زكي الدين إبراهيم رضى الله عنه
لاحظ بعضُ إخواننا أن قلة من كبار الناس أو صغارهم من ضيوف مصر، أو من مقلديهم بمصر يفضلون الصلاة بالجامع الأزهر على الصلاة بمسجد الإمام الحسين ؛ بحجة أنَّ الجامع الأزهر يفضل مسجد الحسين بأنه غير ملحق به ضريح ولا مقبرة، ونجيب إخواننا على هذا من وجوه مقنعة سبق أن أشرنا على بعضها فيما أسلفنا من كتابات حول هذا الموضوع.
فأمَّا أولاً : فإنَّ مسجد المدينة، وهو أحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال شرعًا قد ألحق به قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصية ثابتة منه صلى الله عليه وسلم في الصحاح، ثم بإجماع الصحابة على تنفيذ هذه الوصية، وهم أعلم الخلق بدين الله، ثم إقرار التابعين وتابعيهم في القرون الثلاثة المفضلة، ثم بموافقة الأمة كلها، حتى ذر قرن الفتنة في القرن السابع، ولا نقبل هنا دعوى الخصوصية برسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل أن هؤلاء الصحابة قد دفنوا معه صلى الله عليه وسلم أبا بكر، ثم دفنوا عمر، وغير معقول أن يتكرر منهم الخطأ الواحد ثلاث مرات دون أي نكير من فرد واحد منهم.
وبهذا تكون أدلة المنع منسوخة بالوصية النبوية، والسنة الصحابية، والإقرار التابعي، ثم بموافقة الأمة سلفا وخلفا مدة القرون السبعة الأولى، فلعل المنع إنما كان مما منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم سدا لذرائع الشرك في صدر الإسلام حتى إذا ما استقر الدين، وأرقت الحقائق نسخ هذا المنع بالإباحة كما حدث في زيارة القبور، حين منعت ثم أبيحت، ووجه الشبه والعلاقة واضح بين.
وأما ثانيًا : فقد ثبت في غير حديث معتمد أنَّ بالمسجد الحرام بمكة قبورًا لبعض الأنبياء، ما في ذلك شك، إلا من باب التشغيب أو التعصب المدخول بالجهل أو التزمت أو طلب الشهرة أو استدرار المال الحرام ( كما قلنا وكما سنقول ).
ولقد ذكر التاريخ أنَّ بالمسجد الأقصى قبورًا لبعض الأنبياء والصَّالحين، فإذا صحَّ هذا كما صح وجود قبور الأنبياء بالبيت الحرام، وكما أنَّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجود بمسجد المدينة، فقد أصبحت المساجد الثلاثة المفضلة التي شرع الدين شدَّ الرحال إليها، مستوية من هذه الوجهة مع كل مسجد فيه قبر رجل صالح، فكما تصح الصلاة هناك تصح الصلاة هنا، وكما جاز الدفن هناك يجوز هنا، إذ لا خصوصية ولا استثناء، وبهذا يتضح أنَّ الأمر أهون بكثير جدًا مما صوره المغرضون.
ووجه ثالث : وهو أنَّ أحاديث المنع ما لم تكن منسوخة بما قررناه في " أولا " فهي مؤولة على الأقل، وتأويلها هنا واجب، لئلا تتناقض السنة ويضطرب الدين، أو هي مجموع بينها بوجه من الوجوه، فلا يبتدع المتمسلفة فيها أحكاما كلها دخل، وعندئذ لا تكون فتنة، كما صيرها أهل الأهواء والعمى.
أما الوجه الرابع : فإنَّ الجامع الأزهر نفسه يحتوي عددًا من القبور والأضرحة لا يخصصه بهذه الميزة، إن جاز أن تسمي كذلك، ففي الجامع الأزهر قبر السيدة نفيسة البكرية الصديقية، حفيدة السيد مصطفى البكري، وقبرها معروف بزاوية زينب هانم، وقد دفنت معها السيدة أمينة الشهابية، إحدى الصالحات من أبناء أحد مشاهير علماء هذا الوقت، ودفن معهما أيضا السيدة عائشة السطوحية، أو يقال لها الحصرية، بنت السيد عبد الكريم الإسماعيلي المعروف بابن بقية... إلخ.
وفي الجامع الأزهر قبر الأمير جوهر القنقبائي باني رواق الجوهرية من العلماء وهو خازندار الديوان الملكي الأشرفي، ويحسبه الناس خطأ قبر جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله، وبالجامع الأزهر قبر علاء الدين طيبرس منشئ زواية الطيبرسية المعروفة بالأزهر، وبالأزهر قبر الأمير عبد الرحمن كتخدا مجدد مباني الأزهر، وضريحه معروف بالرواق الذي أنشأه باسم رواق الصعايدة، وبالأزهر ضريح عبد الواحد آقبغا منشئ المدرسة الآقبغاوية " مكتبة الأزهر الآن.
وقد مرت القرون تلو القرون، ودهاقين العلماء، وأقطاب العارفين بالله، وغرانقة الفقه بالدين يتعبدون الله في الأزهر والحسين بالصلاة والدرس، مع وجود القبور، لا ينكر منهم أحد، ولا يؤذن بالفتنة والتشغيب ملتاث أو ملوث.
ومن هنا استحسن أهل العلم وجود القبر إلى جانب المسجد تبركًا بالعبادة وانتفاعًا بدعوات العابدين ومحافظة على القبر أن يندرس أو يمتهن، وتقريبًا للعبرة أو التذكرة ؛ إذ الفكرة الشركية بحمد الله قد انمحت من النفوس، ولم يبق للوثنية محل في عقول المسلمين، والحكم كما يقول الأصوليون يدور مع علته، ولا علة فلا حكم، ومن ثم فإنه لا يوشك أن يوجد مسجد واحد من المساجد المشهورة في أي بلد من بلاد الإسلام إلا كان بجواره قبر وضريح، وقد استوى في ذلك العلماء والحكام، كل بنيته، حتى كانت الأضرحة يوما هي السبب الأول في بناء المساجد، فأدت بذلك أجل خدمة للحضارة الإسلامية، وفنها المعماري بقدر ما أدت أجل الخدمات بانتشار المساجد الكبرى وبقائها إلى الآن، حافظة مظهر الإسلام، مذكرة به، دالة على عظمته، وبعد أن مر على المسلمين الآن ألف وثلاثمائة عام ونيف، لم يعبدوا فيها حجرا، ولا أشرك منهم موحد بقبر - والمنة لله - ليس من المعقول ولا من الديانة أن نقف عند هذه التوافه وصغريات الأمور لنشتغل بها عن كبريات الأحداث فنفيد عدو الإسلام ونخسر الإسلام نفسه.
سيقول قائل جاهل أو مقلد أو أجير : ألا ترى ما يأتيه الناس عند زيارة القبور والأضرحة ؟ أليس هذا هو الكفر والشرك ؟ فنقول حقًّا : هو في لغة الاتجار بالمتسلف، وفي لغة استدرار المال الحرام، وفي لغة الحجِّ المعلول والزيارة المزورة، وفي لغة الجهل والغفلة، وفي لغة الظهور بين الناس من طريق مخالفتهم والشذوذ عنهم، وفي لغة استجلاب الغنى على حساب الدين، نعم في لغة كل هذا شرك، ولكنه ليس كذلك في لغة الدين والعلم، فإنه فلسفة الدين والعلم تقول : إن تسمية خطأ الزائر شركًا تضليلٌ وتغييرٌ للحقائق، ونقلٌ للأحكام إلى غير مواضعها، ثم إنَّ تسمية الأشياء بغير أسمائها في دين الله كذب، ينبغي ألا يتصف به إلا الأراذل الجرآء، وإلا أشباه القرود والببغاوات من الأناسي المقلدة، وإلا كل نفعي وصولي يزدلف الناس ولا يخشى الله.
حب رسول الله وآل بيته وأولياء الله الصالحين :
حب رسول الله فطرة الله التي فطر الناس عليها .. أما يفعله الخوارج من تحويل مسار المسلمين عن قِبلة الحب والارواح و صرف قلوبهم عن محبة سيدنا رسول الله وإظهار الجفاء والقسوة له بدلا من محبته ومعرفة عظم قدره والتأدب في حضرته الشريفة .. هذا هو خلاف الفطرة ، هذه نزعة شيطانية في نفوس هؤلاء ، ولا عجب في ذلك اذا كان هذا معتقدهم عن سيدنا رسول الله ،أنه ميت لا ينفع ولا فائدة له وإنتهت فائدته بتبليغ الدعوة فقط .. وحاشاه رسول الله أن يكون كذلك ، فهو صلي الله عليه وسلم حي بيننا وحبه قائم بين أضلعنا .. رسول الله حي في روضته ينظر في صحائف أعمال أمته ويستغفر لهم ويرد عليهم السلام ... بأبي أنت وأمي ونفسي يا سيدي يا رسول الله .. طبت حيا وميتا يا خير خلق الله .. يا صاحب الهدي و الشفاعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق