و أبغض الحرام إلى الله الشرك.. أو عبادة غير الله.
و الشرك ليس فقط عبادة الأصنام فهذا لون قديم ساذج من الشرك انتهى أمره.
و الأصنام الآن هي غير ( اللات ) و ( العزى ) و ( هبل ).
و أخطر الأصنام هي الأصنام المجردة و هي ما يعبد الآن في كل مكان.
أن تتخذ نفسك صنما.. أن تعبد رأيك و هواك و مصلحتك فلا يشغلك إلا نفسك.
(( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.. (23) )) [ الجاثية ]
و هذا هو إله اليوم الذي يُحرق له البخور و تُقدم له القرابين من دم الآخرين.
و سوف نعود إلى ميزان الحرام و الحلال.. و نقول: و ما الضرر ؟ ما الضرر في أن يعبد الإنسان نفسه و لا يرى غير مصلحته ؟
و الضرر واضح بيّن.. فلن تكون حياة مثل هذا الإنسان حياة.
سوف يقضي حياته في سجن من المرايا كلما تطلع إلى جدار لم ير فيه إلا صورته.
سوف يكذب و يسرق و يقتل و يستغل.. و لن تصل إلى أذنيه آلام الآخرين لأنه لا يرى إلا نفسه و ما يكسب و ما يربح و ما يرفع من عقار و ما يقتني من أرض و ما يكدس من مال.
سوف تصبح نفسه حجابا بينه و بين الله و حجابا بينه و بين الحقيقة، و حجابا بينه و بين العدل.
و عن مثل هؤلاء يقول القرآن:
(( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9) )) [ يس ]
و ما السد الذي بين يديك و من خلفك و محيط بك لدرجة تحول بينك و بين الإبصار كأنه غشاوة.. إلا نفسك.
و يقول في سورة أخرى:
(( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) )) [ البلد ]
يقول لك.. (( و ما أدراك ما العقبة )) ليحضك على التساؤل و التفكير في تلك العقبة فأمرها يغمض عليك.. لأنها هي نفسك ذاتها.. و لا عقبة أمامك سوى نفسك و عليك أن تقتحمها لتستطيع أن تفعل أي خير فتفك رقبة من تستغل و تستعبد.. و لن تستطيع أن تفك رقبة من تستعبد إلا إذا فطنت إلى استعباد نفسك لك و فككت عنك أغلالها.. فلن تستطيع أن تحرر إنسانا إلا إذا بدأت فحررت نفسك أولاً.
و بعد ذلك سوف تجد أن أي خير سيصبح ممكنا.. سوف تستطيع أن تحب و تعطي و تجود و تمنح.
و لهذا تقرأ في القرآن:
(( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ.. (111) )) [ التوبة ]
(( فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ.. (54) )) [ البقرة ]
بمعنى فاهزموا أنفسكم و انتصروا عليها.
و في الإنجيل يقول المسيح بالمعنى نفسه:
(( من أراد أن يخلص نفسه يهلكها. و من يهلك نفسه من أجلي يجدها، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه )).
و يقول الله لداود:
(( اقطع شهوتك و تحبب إلي بمعاداة نفسك.. ضعني بين عينيك و انظر إلي ببصر قلبك.. و أعلم أنه ما اطمأن عبد إلى نفسه إلا و كلته إليها فأهلكته )).
و يسأل داود ربه (( يارب كيف أصل إليك ؟ )) فيقول له ربه: (( اترك نفسك و تعال )).
و يقول الله لموسى:
(( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) )) [ طه ]
فلا يمكن الوقوف في حضرة الله إلا بخلع النفس و الجسد و خلع شواغل النفس و شواغل الجسد كشرط للوصول.
و لهذا كان الشرك الخفي الذي يمارسه الإنسان بعبادته نفسه هو منتهى الحرام و ذروة الخطيئة.. لأنه يحتوي على جميع الخطايا الأخرى في داخله و لأنه هلاك لا هلاك بعده.
و كل ما تعبد من دون الله شرك.. إذا كنت عبدا لنفسك و هواك و مصلحتك فأنت مشرك، و إذا كنت عبدا لعصبية العائلة أو القبيلة أو العنصر أو الجنس فأنت مشرك.. و إذا استعبدتك فكرة مجردة أو نظرية أفسدت عليك مسالك تفكيرك فأصبحت ترفض مناقشة أي فكرة أخرى فأنت راكع أمام صنم و إن كان صنماً مجرداً و منحوتاً من الفلسفة لا من المادة.
و لهذا اعتبر القرآن الشرك خطيئة لا تغتفر لأنه عمى للعين و البصيرة و العقل و شلل لجميع المدارك و توقف لنمو الروح و تعطيل لها في هجرتها إلى منبع نورها.
(( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء.. (48) )) [ النساء ]
لأن الشرك في الحقيقة أشبه بانقطاع الحبل السري الذي يفصم الصلة بين الجنين و مصدر حياته.. بين الإنسان و الله.
و ماذا يحدث لو أن زهرة عباد الشمس انصرفت عن الشمس و أعطت ظهرها لها و اتجهت إلى القمر مثلا.. إنها ببساطة تموت.. فالشمس هي مصدر حياتها.. و هي لا تعبد الشمس ذلاً.. و إنما لأن الشمس حياتها.
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.. (24) )) [ الأنفال ]
و العبادة حياة و استمداد للنور و الحق.
و الله أمر بالعبادة لأنه يعلم أن فيها حياتنا.. و لم يأمر بها تسلطاً و تجبراً و لمجرد فرض أوامر.
و لهذه الأسباب حرم الله الخمر و ما في حكمها من المسكرات و المغيبات لما فيها من أضرار.
و حرم القمار لما فيه من خسارة و تباغض و عدوان.
و حرم الزنا لأنه فوضى تختلط فيه الأنساب.. و تخضع فيه النفوس للنزوات و الشهوات و الأهواء.
و أحل الزواج لأنه تنظيم و نظام و مسئولية و سكينة قلب.
و حرم لحم الخنزير. و نحن نعلم الآن أن حيوان الخنزير هو مستودع فيروس الإنفلونزا و الدودة الشريطية، و أنه أغلظ أنواع البروتين و أشدها تعقيداً، و أنه يربي قساوة القلب.
و الله هو العقل الكلي المحيط و هو لا يضع سنة بلا سبب.
و لقد أقام التشريع و حرم الحرام و أحل الحلال و فرض العبادة.. محبة منه و رحمة.
و يجب ألا تفوتنا هذه الحقيقة لحظة واحدة.. فهي روح الناموس و قلب الشرائع.
و لذلك حرم الله السرقة و حرم القتل.
(( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.. (32) )) [ المائدة ]
لأن قتل الإنسان لأخيه الإنسان بلا ذنب هو خرق لجميع النواميس.. لهذا اعتبره الله قتلاً للناس جميعاً.
و حرم الانتحار.
(( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا.. (30) )) [ النساء ]
لأن الانتحار هو منتهى سوء الظن بالله و العمى عن رحمته و اليأس من عدالته و الخرق لنواميسه و الجهل بآخرته، و هو منتهى الظلم للنفس.
(( الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (6) )) [ الفتح ]
و الله حرم الزنا لأنه ضرر.
و الكذب على الله غاية الإثم.
(( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا.. (21) )) [ الأنعام ]
فيكون إدعاء النبوة كذبا و التحريف في الكتب المقدسة زعما بأن آيات نزلت و هي لم تنزل.. هو منتهى الحرام.. لأنه الإضرار و التضليل للناس.
هذه هي الشريعة و هذه روحها.. إن الله أحل الطيبات و حرم الخبائث، و إذا تطهرت فطرتنا فسوف نحب لنفوسنا ما يحب لها الله بدون جهد و بدون مشقة.
و لهذا يزول التناقض في قلب المؤمن بين الله و شريعته و بين ما تمليه عاطفته الخاصة و يرغب فيه عقله.. فإذا بما يريده لنفسه هو ما يريده الله له.. و ما يتمناه لنفسه هو ما يتمناه الله له.
و لهذا يتوجه إبراهيم بالدعاء قائلاً:
(( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ.. (40) )) [ إبراهيم ]
فيطلب من الله ما يطلبه الله منه.
و هذا غاية الإيمان و الثقة و منتهى الحب للشريعة.. حتى لتصبح الشريعة و الرغبة شيئاً واحداً.
و لا تعود للإنسان رغبة سوى ما يرغب الله.
و هذا درب الذين وصلوا.
يقول الله في حديث قدسي:
(( عبدي اطعني أجعلك ربانياً يدك يدي و لسانك لساني و بصرك بصري و إرادتك إرادتي و رغبتك رغبتي )).
و هؤلاء هم الأنبياء و الأولياء و المقربون الذين أمدهم الله بأسباب علمه و قدرته.
من كتاب / القرآن .. محاولة لفهم عصري
الدكتور مصطفى محمود
و الشرك ليس فقط عبادة الأصنام فهذا لون قديم ساذج من الشرك انتهى أمره.
و الأصنام الآن هي غير ( اللات ) و ( العزى ) و ( هبل ).
و أخطر الأصنام هي الأصنام المجردة و هي ما يعبد الآن في كل مكان.
أن تتخذ نفسك صنما.. أن تعبد رأيك و هواك و مصلحتك فلا يشغلك إلا نفسك.
(( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.. (23) )) [ الجاثية ]
و هذا هو إله اليوم الذي يُحرق له البخور و تُقدم له القرابين من دم الآخرين.
و سوف نعود إلى ميزان الحرام و الحلال.. و نقول: و ما الضرر ؟ ما الضرر في أن يعبد الإنسان نفسه و لا يرى غير مصلحته ؟
و الضرر واضح بيّن.. فلن تكون حياة مثل هذا الإنسان حياة.
سوف يقضي حياته في سجن من المرايا كلما تطلع إلى جدار لم ير فيه إلا صورته.
سوف يكذب و يسرق و يقتل و يستغل.. و لن تصل إلى أذنيه آلام الآخرين لأنه لا يرى إلا نفسه و ما يكسب و ما يربح و ما يرفع من عقار و ما يقتني من أرض و ما يكدس من مال.
سوف تصبح نفسه حجابا بينه و بين الله و حجابا بينه و بين الحقيقة، و حجابا بينه و بين العدل.
و عن مثل هؤلاء يقول القرآن:
(( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9) )) [ يس ]
و ما السد الذي بين يديك و من خلفك و محيط بك لدرجة تحول بينك و بين الإبصار كأنه غشاوة.. إلا نفسك.
و يقول في سورة أخرى:
(( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) )) [ البلد ]
يقول لك.. (( و ما أدراك ما العقبة )) ليحضك على التساؤل و التفكير في تلك العقبة فأمرها يغمض عليك.. لأنها هي نفسك ذاتها.. و لا عقبة أمامك سوى نفسك و عليك أن تقتحمها لتستطيع أن تفعل أي خير فتفك رقبة من تستغل و تستعبد.. و لن تستطيع أن تفك رقبة من تستعبد إلا إذا فطنت إلى استعباد نفسك لك و فككت عنك أغلالها.. فلن تستطيع أن تحرر إنسانا إلا إذا بدأت فحررت نفسك أولاً.
و بعد ذلك سوف تجد أن أي خير سيصبح ممكنا.. سوف تستطيع أن تحب و تعطي و تجود و تمنح.
و لهذا تقرأ في القرآن:
(( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ.. (111) )) [ التوبة ]
(( فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ.. (54) )) [ البقرة ]
بمعنى فاهزموا أنفسكم و انتصروا عليها.
و في الإنجيل يقول المسيح بالمعنى نفسه:
(( من أراد أن يخلص نفسه يهلكها. و من يهلك نفسه من أجلي يجدها، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه )).
و يقول الله لداود:
(( اقطع شهوتك و تحبب إلي بمعاداة نفسك.. ضعني بين عينيك و انظر إلي ببصر قلبك.. و أعلم أنه ما اطمأن عبد إلى نفسه إلا و كلته إليها فأهلكته )).
و يسأل داود ربه (( يارب كيف أصل إليك ؟ )) فيقول له ربه: (( اترك نفسك و تعال )).
و يقول الله لموسى:
(( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) )) [ طه ]
فلا يمكن الوقوف في حضرة الله إلا بخلع النفس و الجسد و خلع شواغل النفس و شواغل الجسد كشرط للوصول.
و لهذا كان الشرك الخفي الذي يمارسه الإنسان بعبادته نفسه هو منتهى الحرام و ذروة الخطيئة.. لأنه يحتوي على جميع الخطايا الأخرى في داخله و لأنه هلاك لا هلاك بعده.
و كل ما تعبد من دون الله شرك.. إذا كنت عبدا لنفسك و هواك و مصلحتك فأنت مشرك، و إذا كنت عبدا لعصبية العائلة أو القبيلة أو العنصر أو الجنس فأنت مشرك.. و إذا استعبدتك فكرة مجردة أو نظرية أفسدت عليك مسالك تفكيرك فأصبحت ترفض مناقشة أي فكرة أخرى فأنت راكع أمام صنم و إن كان صنماً مجرداً و منحوتاً من الفلسفة لا من المادة.
و لهذا اعتبر القرآن الشرك خطيئة لا تغتفر لأنه عمى للعين و البصيرة و العقل و شلل لجميع المدارك و توقف لنمو الروح و تعطيل لها في هجرتها إلى منبع نورها.
(( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء.. (48) )) [ النساء ]
لأن الشرك في الحقيقة أشبه بانقطاع الحبل السري الذي يفصم الصلة بين الجنين و مصدر حياته.. بين الإنسان و الله.
و ماذا يحدث لو أن زهرة عباد الشمس انصرفت عن الشمس و أعطت ظهرها لها و اتجهت إلى القمر مثلا.. إنها ببساطة تموت.. فالشمس هي مصدر حياتها.. و هي لا تعبد الشمس ذلاً.. و إنما لأن الشمس حياتها.
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.. (24) )) [ الأنفال ]
و العبادة حياة و استمداد للنور و الحق.
و الله أمر بالعبادة لأنه يعلم أن فيها حياتنا.. و لم يأمر بها تسلطاً و تجبراً و لمجرد فرض أوامر.
و لهذه الأسباب حرم الله الخمر و ما في حكمها من المسكرات و المغيبات لما فيها من أضرار.
و حرم القمار لما فيه من خسارة و تباغض و عدوان.
و حرم الزنا لأنه فوضى تختلط فيه الأنساب.. و تخضع فيه النفوس للنزوات و الشهوات و الأهواء.
و أحل الزواج لأنه تنظيم و نظام و مسئولية و سكينة قلب.
و حرم لحم الخنزير. و نحن نعلم الآن أن حيوان الخنزير هو مستودع فيروس الإنفلونزا و الدودة الشريطية، و أنه أغلظ أنواع البروتين و أشدها تعقيداً، و أنه يربي قساوة القلب.
و الله هو العقل الكلي المحيط و هو لا يضع سنة بلا سبب.
و لقد أقام التشريع و حرم الحرام و أحل الحلال و فرض العبادة.. محبة منه و رحمة.
و يجب ألا تفوتنا هذه الحقيقة لحظة واحدة.. فهي روح الناموس و قلب الشرائع.
و لذلك حرم الله السرقة و حرم القتل.
(( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.. (32) )) [ المائدة ]
لأن قتل الإنسان لأخيه الإنسان بلا ذنب هو خرق لجميع النواميس.. لهذا اعتبره الله قتلاً للناس جميعاً.
و حرم الانتحار.
(( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا.. (30) )) [ النساء ]
لأن الانتحار هو منتهى سوء الظن بالله و العمى عن رحمته و اليأس من عدالته و الخرق لنواميسه و الجهل بآخرته، و هو منتهى الظلم للنفس.
(( الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (6) )) [ الفتح ]
و الله حرم الزنا لأنه ضرر.
و الكذب على الله غاية الإثم.
(( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا.. (21) )) [ الأنعام ]
فيكون إدعاء النبوة كذبا و التحريف في الكتب المقدسة زعما بأن آيات نزلت و هي لم تنزل.. هو منتهى الحرام.. لأنه الإضرار و التضليل للناس.
هذه هي الشريعة و هذه روحها.. إن الله أحل الطيبات و حرم الخبائث، و إذا تطهرت فطرتنا فسوف نحب لنفوسنا ما يحب لها الله بدون جهد و بدون مشقة.
و لهذا يزول التناقض في قلب المؤمن بين الله و شريعته و بين ما تمليه عاطفته الخاصة و يرغب فيه عقله.. فإذا بما يريده لنفسه هو ما يريده الله له.. و ما يتمناه لنفسه هو ما يتمناه الله له.
و لهذا يتوجه إبراهيم بالدعاء قائلاً:
(( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ.. (40) )) [ إبراهيم ]
فيطلب من الله ما يطلبه الله منه.
و هذا غاية الإيمان و الثقة و منتهى الحب للشريعة.. حتى لتصبح الشريعة و الرغبة شيئاً واحداً.
و لا تعود للإنسان رغبة سوى ما يرغب الله.
و هذا درب الذين وصلوا.
يقول الله في حديث قدسي:
(( عبدي اطعني أجعلك ربانياً يدك يدي و لسانك لساني و بصرك بصري و إرادتك إرادتي و رغبتك رغبتي )).
و هؤلاء هم الأنبياء و الأولياء و المقربون الذين أمدهم الله بأسباب علمه و قدرته.
من كتاب / القرآن .. محاولة لفهم عصري
الدكتور مصطفى محمود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق