روي أن الإمام الشاذلي رضى الله عنه قال :إضطجعت يوماً في المسجد الأقصى بعد الصلاة فرأيت في المنام قد نُصِبَ
خارج الأقصى في وسـط الحرم فِسطاط كبير فدخل خلقٌ كثير أفواجاً أفواجا فقلت : ما هذا الجمع ؟! فقالوا : جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام قد حضروا .... فنظرتُ إلى التخت فإذا نبينا صلى الله عليه وسلّم جالس عليه بمفرده
وجميع الأنبياء يجلسون حوله على الأرض مِثل إبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم السـلام فوقفت أنظـر وأسـمع كلامهم" فخاطب سـيدنا مُوسى نبينا عليه الصلاة السـلام .... وقال: إنك قُلت أن علماء أمتك كأنبياء بني إسرائيل" فأرنا
أحدهم فقام النبي صلى الله عليه وسـلم وأشار للإمام الغزالي رحمه الله .. فسأله سيدنا موسـى سؤالاً فأجابه بعشرةِ أجوبة فاعترض عليه قائلاً بأن الجواب ينبغي أن يطابق السـؤال والسـؤال واحد وأجبت بعشرة فقال الإمام : هذا إعتراض
واردٌ عليك أيضاً حين سـألك الله عَزَّ وجَل {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يـا مُوسَـى } وكـان يجب أن يكون جَوابُك هي عصاي فقط" ولكنك أوردت صِفات كَثيرة قال: فابتسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لسـيدنا موسى :أيوجد في أمتك حِبرٌ مثل
هذا فقال: اللهم لا .......... قال الإمام الشاذلي :فبينما أنـا مُتفكر فـي جلالةِ قَـدرِ سـيدنا محمد عليه الصلاة والسـلام كونه جالسـاً على التخت بُمفرده والخليل والكليم والروح جالسـون علـى الأرض ..إذ رفسني شخص برجله رفسة شديدة فانتبهت من نومي مَذهولاً فإذا هو القَيّّم المُكَلف
بإشـعَال قناديل الأقصى .. فقال لي: أتعجب مما رأيت !؟ إنـه سَـيَّدُهم ... والـكُل خُلقُوا مـن نـوره ويلتمسُون إمـداده .... فخررتُ مَغشِيَّاً عَلـيَّ فلما أقــامــوا الصـــلاة إستيقظت وبحَثّتُ عن الرجل فلم أجد له أثراً ولا خَبَر""...................
صلوا على شَفِيعِنا وَحَبِيبَ قُلوبِنا سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ❤️❤️❤️ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما تحب أن تصلي عليهم عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك صلاة ترضيك وترضيه وترضي بها عنا في كل لمحة ونفس في كل وقت وحين سعة علم الله العليم منذ خلقت الخلق وتدوم بدوام الله العظيم برحمتك يا أرحم الراحمين ❤️❤️❤️
حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله ( ٤٥٠ - ٥٠٥ )هجرية
سألت نفسي عن أسعد لحظة عشتها .. ؟؟
ومـر بخاطري شريط طويل من المَشاهِد ..
لحظة رأيت أول قصة تُنشر لي، ولحظة تخرجت من كلية الطب، ولحظة حصلت على جائزة الدولة في الأدب ..
ونشوة الحــب الأول و السفـر الأول والخروج إلى العالَم الكبير متجوِلًا بين ربوع غابات إفريقيا العذراء، وطائراً إلى ألمانيا وإيطاليا والنمسا وسويسرا وإنجلترا وفرنسا وأمريكا ..
ولحظة قبضت أول ألف جنيه .. ولحظة وضعت أول لبنة في المركز الإسلامي بالدقي ..
استعرضت كل هذه المَشاهد وقلت في سِري .. لا .. ليست هذه ..
بل هي لحظة أخرى ذات مساء من عشرين عامًا اختلط فيها الفرح بالدمع بالشكر بالبهجة بالحبور حينما سجَدتُ لله فشعرت أن كل شيء في بدني يسجد ..
عظامي تسجد .. أحشائي تسجد .. عقلي يسجد .. ضميري يسجد .. روحي تسجد ..
حينما سَكَت داخلي القلق، وكَفَّ الاحتجاج، ورأيت الحكمة في العذاب فارتضيته، ورأيت كل فعل الله خيرا وكل تصريفه عدلا. وكل قضائه رحمة، وكل بلائه حبا..
لحظتها أحسست وأنا أسجد أني أعود إلى وطني الحقيقي الذي جئت منه وأدركت هويّتي وانتسابي وعرفت مَن أنا .. وأنه لا أنا .. بل هو .. ولا غيره ..
انتهى الكِبر وتبخر العِناد وسَكَن التمرد وانجابت غشاوات الظلمة وكأنما كنت أختنق تحت الماء ثم أخرجت رأسي فجأة من اللُجّة لأرى النور وأشاهد الدنيا وآخذ شهيقًا عميقًا وأتنفس بحرية وانطلاق .. وأي حرية .. وأي انطلاق ..
يا إلهي .. لكأنما كنت مبعَدًا منفيّاً .. مطرودًا أو سجينًا مكبلًا معتقلًا في الأصفاد ثم فُكَ سجني .. وكأنما كنت أدور كالدابة. على عينيها حجاب .ثم رُفِع الحجاب .
نعم .. لحظتها فقط تحررت .
نعم .. تلك كانت الحرية الحقّة .. حينما بلغت غاية العبودية لله .. وفككت عن يديَّ القيود التي تقيدني بالدنيا وآلهتها المزَيفة .. المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة و الغَلَبة والقوة ..
وشعرت أني لم أعد محتاجًا لأحد ولا لشيء لأني أصبحت في كنَف مَلِك الملوك الذي يملك كل شيء .
كنت كفَرخْ الطَير الذي عاد إلى حضن أمه ..
كانت لحظة ولكن بطول الأبَد .. تأبدت في الشعور وفي الوجدان وألقَت بظلِها على ما بقيَ من عمر ولكنها لم تتكرر ..
فما أكثر ما سجدت بعد ذلك دون أن أبلغ هذا التَجَرُد والخُلوص .. وما أكثر ما حاولت دون جدوى .. فما تأتي تلك اللحظات بجهد العبد .. بل بفضل الرب ..
وإنما هو الذي يتقرب إلينا وهو الذي يتحبب إلينا .. وما نتعرف عليه إلا به .. وما نعبده لحظة تمام العِبادة إلا بمعونته .. وما ندخل عليه إلا بإذنه .. فهو العزيز المنيع الجناب الذي لا يُدخَل إليه بالدعاوَى و الأقاويل .
ولقد عرفت آنذاك أن تلك هي السعادة الحقّة .. وتلك هي جنة الأرض .. التي لا يساويها أي كسب مادي أو معنوي .
يقول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام .. { واسجد واقترب } العَلَق – 19 .
صدق الله العظيم ..
وما كل ساجدٍ بمقترِب إلا إذا خلع النعلين .. فألقى بالدنيا وراءه ثم ألقى بنفسه خلفها .. ودخل مسَلِّم القلب .. عريان المشاعر .. خاشع الفؤاد .. ساجد الأعضاء ..
حينئذٍ يكون القرب .. وتكون السجدة .
ولَكَم أتمنى أن أعاوِد تلك السجدة ... أو تعاودني تلك السجدة ..
ويتفضَل عليَّ الله بالقرب، ويأذن لي بالعبادة حق العبادة .. وأقول في نفسي أحيانًا .. لعلّي لم أعد أخلَع النعلين كما يجب وكما يليق بجلال المقام الأسمَى ..
ولعل الدنيا عادت فأخذتني في دوامتها، وعاد الحجاب فانسدَل على العينين، وعادت البشرية فناءت بثقلها وكثافتها على النفس الكليلة ..
ولكني لا أكُف عن الأمل .. وأسأل الله أن يشفع الأمل بالعمل .. سبحانه وَسِعَتْ رحمته كل شيء .
نحن لا نجد في عبادة الله ذُلاً بل تحرراً و كرامة .. تحرراً من كل عبوديات الدنيا .. تحرراً من الشهوات و الغرائز و الأطماع و المال .. و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد ..خوف الله شجاعة و عبادته حرية و الذل له كرامة و معرفته يقين و تلك هي العبادة .
لن تدخل على الله في جماعة ولن تلقاه في شلّة وإنما كلهم آتيه يوم القيامة فردا ولن يستطيع أحد أن يلقي ذنبه على الآخر أو على الأسرة أو على المجتمع أو على البيئة فكل هذا لم يكن سوى ورقة امتحان التي أُريدَ بها
إخراج ما يكتمه في نفسه.
و لو تأملوا الموت لما تهالكوا على الحياة
و لو ذكروا الآخرة لفرُّوا فراراً إلى جناب ربهم.
د. مصطفى محمود
أسرار قصيدة البرده :
دخل أ. د.أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء في نوبة من البكاء أثناء حديثه عن قصيدة البرده للإمام البصيري رضى الله عنه وذكر أن لها بركات عظيمة ومنها أنه خلال مرض الدكتور خالد محمد خالد الكاتب الإسلامي بمرض الكبد، وكان يسافر إلى الخارج لتلقي العلاج، نصحه حتى الشيخ محمد الغزالي وأوصاه بقراءة بردة البوصيري التي شفى الله بها الإمام البوصيري، حتى طلب منه أن يشرح له البردة، قائلا: «د.خالد طلب مني شرح بردة البوصيري لطباعتها وعقد مجلس في منزله بحضور عدد من العلماء قرأوا البردة بإخلاص».
موضحاً: «بعد مرور قرابة 5 أيام اتصل بيا د.خالد محمد خالد وقالي مش هتيجوا تتغدوا عندي بقى»، فسألته: خير ولماذا؟، فرد قائلا: «ربنا شال الحملة بفضل البردة»، لافتا إلى أن بعض العلماء سمى البردة باسم البراءة.
يقول الإمام البوصيري رضى الله عنه :
ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻧﻈﻤﺖ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﺡ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ , ﺍﻟﻰ ﺃﻥ ﺩﺍﻫﻤﻨﻲ ﺍﻟﻔﺎﻟﺞ , ( ﺍﻟﺸﻠﻞ ﺍﻟﻨﺼﻔﻲ ) - ﻓﺄﺑﻄﻞ ﻧﺼﻔﻲ , ﻓﻜﺘﺒﺖ ﻗﺼﻴﺪﺗﻲ ﻫﺬﻩ وﺍﺳﺘﺸﻔﻌﺖ ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻓﻴﻨﻲ , ﻭ ﻛﺮﺭﺕ ﺇﻧﺸﺎﺩﻫﺎ , ﻭ ﺩﻋﻮﺕ , ﻭ ﺗﻮﺳﻠﺖ , ﻭ ﻧﻤﺖ ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ ﻓﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ , ﻭ ﺃﻟﻘﻰ ﻋﻠﻲّ ﺑﺮﺩﺓ , ﻓﺎﻧﺘﺒﻬﺖ ﻭﻭﺟﺪﺕُ ﻓﻲّ ﻧﻬﻀﺔ , ﻓﻘﻤﺖ ﻭ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻲ , ﻭﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻋﻠﻤﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﺣﺪﺍً , ....
ﻓﻠﻘﻴﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ : ( ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺪﺣﺖ ﺑﻬﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ) , ﻓﻘﻠﺖ : ( ﺃﻱ ﻗﺼﺎﺋﺪﻱ؟ ) ﻓﻘﺎﻝ : ( ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﻚ ) , ﻭ ﺫﻛﺮ ﺃﻭﻟﻬﺎ ﻭﻗﺎﻝ : ( ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺭﺣﺔ ﻭ ﻫﻲ ﺗﻨﺸﺪ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ , ﻭ ﺃﻋﺠﺒﺘﻪ ﻭ ﺃﻟﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﻧﺸﺪﻫﺎ ﺑﺮﺩﺓ ) ﻓﺄﻋﻄﻴﺘﻪ ﺇﻳﺎﻫﺎ . ﻭ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻭ ﺷﺎﻋﺖ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ . ولقد سميت القصيدة بالبردة نسبة إلى بردة النبي صلى الله عليه وسلم التي ألقاها على الإمام البوصيري.
والإمام البوصيري هو ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻭ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺼﻨﻬﺎﺟﻲ ﺍﻟﺒﻮﺻﻴﺮﻱ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ .
ﺃﺻﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻣﻦ ﻗﻠﻌﺔ ﺣﻤﺎﺩ , ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻑ ﺑﺒﻨﻲ ﺣﺒﻨﻮﻥ , ﻭﻟﺪ ﺑﻨﺎﺣﻴﺔ ( ﺩﻻﺹ ) ﺑﺼﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺎﺀ ﺃﻭﻝ ﺷﻮﺍﻝ ﺳﻨﺔ 608 ﻫـ ﻭﻭﺍﻟﺪﻩ ﻣﻦ ﺑﻠﺪﺓ ﺑﻮﺻﻴﺮ ﺇﺣﺪﻯ ﻗﺮﻯ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ .
ﻋُﻨﻲ ﺍﻻﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﻮﺻﻴﺮﻱ ﺑﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭ ﺳﻴﺮﺗﻪ، ﻭﺃﻓﺮﻍ ﻃﺎﻗﺘﻪ ﻭﺃﻭﻗﻒ ﺷﻌﺮﻩ ﻭﻓﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺡ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻷﻋﻈﻢ ،
ﺗُﻌﺪ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ " ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﺍﻟﺪﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﺡ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ " ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ " ﺍﻟﺒﺮﺩﺓ " ﺃﻫﻢ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ . ﻭﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻣﺼﺪﺭ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻟﻠﺸﻌﺮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ، ﻳﺤﺬﻭﻥ ﺣﺬﻭﻫﺎ ﻭﻳﻨﺴﺠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮﺍﻟﻬﺎ، ﻭﻳﻨﻬﺠﻮﻥ ﻧﻬﺠﻬﺎ.
وﺗﻮﻓﻲ الإمام ﺍﻟﺒﻮﺻﻴﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ ﺳﻨﺔ 696 ﻡ , ﻭ ﻟﻪ ﻗﺒﺮ ﻣﺸﻬﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻪ ﻣﺴﺠﺪ ﻛﺒﻴﺮ , ﻭ ﻗﺪ ﻃﺮﺯﺕ ﺟﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﻀﺮﻳﺢ ﻭ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺄﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﺩﺓ ﻭ ﺑﺨﻂ ﺟﻤﻴﻞ , ﻭ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ ﻭ ﻣﻘﺎﻡ ﺷﻴﺨﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺍﻟﻤﺮﺳﻲ رضى الله عنه .
الصدق إذا ما افتقدناه في حياتنا افتقدنا إتقان العمل، افتقدنا استقرار العقود بين الناس، افتقدنا العِشْرَة الحسنة بين الزوج وزوجه وبين الابن والأب، افتقدنا أشياء كثيرة ولذلك فالأخلاق تمثل خلفية ما هنالك من إيمانٍ وإسلام، فالإيمان والإسلام لا يظهر إلا إذا نهت الصلاة عن الفحشاء والمنكر، «الصدق فيه منجاتك ولو ظننت فيه هلاكك» وهذا كلام سيدنا عمر فيما أخرجه السري في كتابه «الزهد» وأسنده إليه «والكذب فيه هلاكك ولو ظننت فيه نجاتك».
ومن قصص الصالحين التي قد يتعجب منها بعضهم، وقد ينكرها آخرون أن الشيخ علي الخواص وكان من الصالحين، وكان من أهل القرآن يحفظ القرآن، وكان في غاية التواضع والرفق بالحيوان فكان يغسل مساقي الكلاب وراء مسجد سيدنا الحسين عند بيت القاضي بالليل حتى يشرب الكلب الضال منها في الصباح، وكان بالليل يذهب إلى مراحيض المساجد لينظفها تواضعاً لله وعملاً بأن النبي ﷺ كان يحب النظافة وهو الذي يقول فيما أخرجه الترمذي: «إن الله نظيف يحب النظافة» إلى هذا الحد أن يصف ربنا جل جلاله بالنظافة، وأنه يحب النظافة، كان الشيخ علي الخواص صادقاً مع ربه، صادقاً مع نفسه، متوكلاً، يرضى ويُسلِّم، ووثوقه بالله شديد وليس وثوقاً عابراً، كان الشيخ علي الخواص -رضي الله تعالى عنه- جاءه وهو يصنع الخوص ويصنع الحصر التي تُفرش بها المساجد شخص يجري وآخرون يتتبعونه حتى يؤذوه فقال له: يا سيدنا هل يوجد عندك مكان اختبئ فيه ؟ قال له: التف بهذه الحصيرة . فلف نفسه في الحصيرة حتى يختفي من هؤلاء المعتدين؛ فجاءوا فقالوا له: هل مر عليك شخص صفته كذا وكذا ؟ قال: نعم، مر عليَّ؛ قالوا: أين هو؟ قال: هو مختبئ في الحصيرة، فلم يصدقوه واعتقدوا انه يمزح معهم، فخرج الرجل وقال له: دلتهم عليَّ، قال له: والله يا ابني لو لم أقل ذلك لفتشوا الدكان وصدقي نجاك . من شدة الثقة بالله سبحانه وتعالى، بعض الناس لا يستوعب مثل هذا، ولكن هكذا كانوا، وبهذا وصلوا إلى القرب من الله سبحانه وتعالى ، فقضية الصدق قضية أساسية لابد علينا أن نؤمن بها وأنها من أركان الأخلاق.
أ.د. #علي_جمعة
يقول العلامة المحدث د.أحمد عمر هاشم :
كان الإمام محمد متولي الشعراوي يدرس في مكة المكرمة فجاء إليه بعض معارفه وكانوا في كرب عظيم وقالوا له : نريدك أن تذهب معنا إلى المدينة المنورة وتقف في الروضة الشريفة وتدعو الله لنا أن يفرج عنا
فوافق الشيخ الشعراوي وكتب إلى عميد الكلية أني قد عزمت السفر لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاستدعاه العميد وقال له : لماذا تكتب هكذا بل أكتب لزيارة المدينة
فقال : لو كتبت هكذا لكنت خاسرا !!
لأن الصلاة في مكة بمائة ألف وفي المدينة بألف فكيف أترك المائة ألف واذهب الى الألف ..وإنما أنا ذاهب إلى من لولاه ماكانت الألف ولا المائة ألف ولا كانت المدينة حرما .
فقال له : أذهب
فذهب فلما وصل الى امام المواجهة الشريفة انشأ هذه الابيات
مولاي ضيفك من كل الدنا جاؤا
فامنن عليهم بما شاؤا لمن شاؤا
و فوق ما عرفوا من فضل ربهم
ما قد عرفت و كم لله آلاء
ناولهمو من فيوض الخير خصهمو
فأنت قاسمها .. و الله معطاء
ودعا الله تعالى ..
فما رجع الى مكة الا وقد فرج الله عنهم كربهم بفضله ومنته.
ومن كلمات أ. د أحمد عمر هاشم الذهبية
لا تخف من أي شيء روعك كن مع الله يكن ربى معك وإذا نابك كرب فاصطبر وأدعو مولاك وجفف أدمعك ما لنا إلا إله واحد فاسأل الكون وقل من أبدعك ؟! واسأل الطفل جنينا في الحشا من رعاك الآن من ذا أشبعك؟! واسأل البدر مطلا في الدجى باعثا أضواءه ما أروعك! واسأل الصبح تجلى مسفرا بعد ليل حالك من أطلعك؟! سل رسول الله قل يا مصطفى يا شفيع الخلق من قد شفعك ؟ إنه ربى إله واحد كن مع الله يكن ربى معك .
فقه الدعوة.. وفقه الواقع..تعليما وتدريبا!
لا زلت أحرص في محاضراتي على أن أغرس في نفوس طلابي فقه الدعوة إلى الله تعالى، وأرسخ فيهم مفاهيمه، وأشرح لهم أسسه، تقربا إلى الله تعالى، واستشعارا لأمانة المسؤولية عن هؤلاء الطلاب، فهم كأبنائي، فما أحب أن يصنع مع أبنائي أصنعه معهم؛ وغرضي أن أصنع منهم نماذج سوية نفسيا وفكريا تقدمها الجامعة الأزهرية هدية إلى مجتمعها ووطنها وأمتها، لضبط مسار العمل الدعوي، الذي أصابه الكثير من الخلل، واعترضه الكثير من العقبات!
ومفهوم فقه الدعوة عندي - إن كان لي عند - يعني الفهم الكامل المتكامل لرسالة الإسلام، وموضوعها ووسائلها وأساليبها ومقاصدها، وما يحيط بها من مشكلات وعقبات، والتفكير الإبداعي لإزالتها والتغلب عليها، في ضوء فقه الواقع!
ومن أسس هذا الفقه الإحاطة بالمخططات والمؤامرات الفكرية التي تحاك للمسلمين، من خلال التلاعب ببعض المفاهيم الدينية عندهم، مستغلة بعض الجماعات المؤدلجة للترويج لتلك المفاهيم، مثل مفهوم الجهاد، وتغيير المنكر، والدولة، والحكم، والخلافة، والعلاقة مع الآخر!
ومن أسسه - أي فقه الدعوة - اختيار الأحكام الفقهية المناسبة لحاجة المجتمع وفق الظروف الراهنة، بما يتفق ومقاصد التشريع الإسلامي، وذلك من خلال التراث العظيم الذي خلفه فقهاؤنا الأقدمون، وكان مما يناسب حاجة عصرهم في كثير من الأحيان، ولو عاشوا بيننا الآن لغيروا كثيرا من هذه الأحكام!
ومن نماذج ذلك مسألة عدم بدء اليهود والنصارى بالسلام؛ فإن ذلك مما يمكن فهمه على أنه في وقت الحرب، أو في ظرف خاص ليس له حكم العموم، وإلا فالأصل بذل السلام للعالم، وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسلم عليهم ويقول: أليس في رحمة الله يعيش؟!
فما دام قد وجد في تراثنا الفقهي الفسيح رأي بجواز ذلك عن بعض السلف - وهم أتقى لله منا، وأبعد عن الهوى والغرض -، وهو مما يناسب حاجة العصر في ضرورة التعايش السلمي بين الطوائف المختلفة داخل المجتمع الواحد، ولم نخترعه من تلقاء أنفسنا؛ فما المانع من الأخذ به؟!
على أنه حتى وإن لم يقل به أحد من الفقهاء القدامى؛ فلا مانع من استحداث القول به، بناء على اجتهاد العلماء في ضوء قواعد الاجتهاد ومتطلبات العصر، لا سيما وأن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد، والتيسير عليهم، ورفع الحرج عنهم، لا إيقاعهم فيه، كما قال تعالى: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"، ووصف الله شريعته في غير موضع من كتابه بأنها "هدى ورحمة"، ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه "رحمة للعالمين"، وهذا يقتضي الأخذ من أقوال الفقهاء بما يناسب حاجة الناس وييسر عليهم، ولو أدى ذلك إلى الأخذ بأضعف الأقوال في الظاهر - فلعلها الحق عند الله تعالى - مثلما أخذ قانون الأحوال الشخصية المصري برأي ابن تيمية في مسألة الطلاق في الحيض، والطلاق الثلاث، والحلف بالطلاق، تخفيفا على الناس، ورحمة بهم، وحماية للأسر من التفكك، نظرا لعموم البلوى بالطلاق!
مع أن ابن تيمية متهم في كثير من الدوائر المحلية والعالمية؛ بأنه رائد التطرف الفكري!
وهذا مما يحسب لأهل الحل والعقد في مصر - بفضل وجود الأزهر الشريف فيها - فهم لا يهدرون الرجل جملة وتفصيلا، بل يأخذون منه ويدعون، فهم يحاكمون فكره لا شخصه!
وهذا ما يمكن أن نفهمه من قول أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري: إنما الفقه رخصة من ثقة، أما التشدد فيحسنه كل أحد!
ومن دلالات هذه العبارة أن الفقيه كلما تمكن في الفقه؛ كان جنوحه إلى الترخيص أمكن، وكلما قل رصيده منه؛ كان جنوحه إلى التشديد أظهر وأبين!
ومن النماذج الدالة على الأخذ بفقه الدعوة أيضا؛ مسألة تارك الصلاة عمدا، فمذهب الإمام أحمد أنه كافر بتعمده ترك الصلاة حتى وإن كان معترفا بوجوبها، وأنه يقتل كفرا لا حدا، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين!
وهو الذي يفتي به علماء آخرون - كما في فتاواهم المنشورة - ويرونه راجحا على رأي الجمهور!
ومن هنا تدرك السر وراء التطرف الفكري، الذي ابتلي به هؤلاء، وسرت عدواه إلى غيرهم!
وخالفه الجمهور - الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي - فقالوا: إنه مسلم عاص، ولا يستوجب القتل، إلا بإنكاره فرض الصلاة أصلا!
قلت للطلاب: لا يمكن الأخذ بمذهب الإمام أحمد في عصرنا؛ لعموم البلوى بترك الصلاة، وما دام عندنا من المذاهب ما نرفع به الحرج على الناس من المذاهب الفقهية المعتبرة؛ فلماذا نشدد عليهم؟!
ومن نماذجه أيضا؛ الصلاة في المساجد التي بها أضرحة، فرأي الجمهور صحة الصلاة فيها، فلماذا العدول عن هذا الرأي إلى الرأي القائل بالبطلان، والقائل به قلة، بل ندرة، ويلزم على الأخذ به إيقاع جمهور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في الحرج؛ لكونهم يصلون في المسجد النبوي الشريف وفيه ثلاثة قبور مشرفة، بل وفي المسجد الحرام نفسه سبعون نبيا مدفونون بين الركن والمقام، فضلا عن المساجد التي بها أضرحة، والمنتشرة في بقاع العالم، ويصلي فيها خيار العلماء وأفاضل الناس؟!
وبينا أنا أفكر في موضوع هذه الخاطرة؛ إذ سمعت إماما وخطيبا بوزارة الأوقاف المصرية - عن غير قصد لأنه كان يتحدث في الهاتف بصوت عال - يفتي أحدا بأن المنتحر - أظنه قال: كافر مخلد في النار، أو مرتكب كبيرة، لا أدري أيهما قال - ولكني أجزم بأنه قال: لا يصلى عليه، وشدد في ذلك، ونسبه إلى دار الإفتاء المصرية!
فاستنكرت ذلك منه، واتصلت بالزملاء في دار الإفتاء، مستفسرا عن ذلك، فنفوه جملة وتفصيلا!
وطلبت من المسؤولين في الأوقاف تدريب رجالهم على فقه الدعوة ممزوجا بفقه الواقع!
إننا بحاجة ماسة إلى نعلم أبناءنا في الجامعة الأزهرية - وهم دعاة الغد - ومن باب أولى الدعاة بالفعل؛ مدى واقعية هذا الدين، وأنه جاء لتحقيق مصالح الناس في كل زمان ومكان، بالعدل والرحمة، وذلك يقتضي أن نغرس في نفوسهم فقه الدعوة، الذي تربطه بفقه الواقع وشيجة من نسب، حتى لا يعيشوا بمعزل عن الواقع وهم من أبنائه، وعن روح التشريع الإسلامي وهم من دعاته!
- البناء المنهجي لطالب العلم إذا كان حدثا :
يقتضي أن يلوذ بالستر حتى يكتمل بناؤه، وتقوى أعضاؤه!
وأن يكون سماعه أكثر من كلامه، وقراءته أكثر من كتابته، واختفاؤه أكثر من ظهوره، وتعلمه أكثر من تعليمه!
فمتى رأيت الطالب - وهو حدث - متعجلا للظهور، مغرما بالتصوير، محبا للشهرة؛ فاعلم أنه لن يفلح في العلم، وإن أفلح في غيره، إلا من رحم الله!
فإن الصغير إذا تتبعته العيون؛ أفسدته، أو كادت أن تفسده!
والحدث من لم يكتمل بناؤه المنهجي وإن كان ابن سبعين سنة، كما وقع في بعض كلام السادة أهل الله، نفعنا الله بهم!
- خلاصة تجربتي في البحث العلمي..!
فرض علي موضوع رسالة الماجستير، ضمن خطة وضعها القسم لتحقيق بعض المخطوطات، وما بعد ذلك من مشاريع علمية - بدءا من الدكتوراه وما تلاها من بحوث -؛ هو من بنات أفكاري، من خلال قراءاتي المكثفة في التخصص وغيره، والانكباب على الكتب بجميع أنواعها، الورقية والإلكترونية، حتى كنت أقرأ قرابة خمس عشرة ساعة في اليوم والليلة، في مختلف العلوم والفنون والثقافات، واقفا وجالسا وماشيا وراكبا ونائما ومتكئا وآكلا وشاربا، وترك فضول المخالطة، والانجماع على النفس، والاجتماع بالمشايخ، ومذاكراتهم ومباحثتهم بمسائل العلم، مع توقيرهم وخدمتهم والقيام بحقهم، فكانوا يدعون لي بالبركة، ويفتحون لي قلوبهم وبيوتهم ومكتباتهم، فنفعني الله بذلك!
وما تسولت فكرة من أحد، ولا طلبت إعداد خطة، كل شيء صنعته بيدي بتوفيق الله تعالى، كنت أقرأ كثيرا قبل أن أكتب، وأكتب بقلمي لا بقلم غيري، وبفهمي لا بفهم غيري، أكتب فيما يشغلني من أفكار وأطروحات، لا فيما يشغل غيري، كنت أبحث عن حلول وإجابات لكل ما يعترضني من مشكلات وتساؤلات، كنت أريد بناء تصور كامل عن كل شيء، كنت أريد أن أصل إلى جوهر الحقيقة، كان هدفي تحصيل العلم، لا نيل الشهادة!
وأكثر ما أعانني على ذلك - بعد فضل الله تعالى - صحبة الصالحين، ومرافقة المفلحين!
- لست محبوسا في قمقم التصوف، ولا أنا درويش بسبحة، إنما أنا رجل من أهل العلم، أعيش واقع مجتمعي، وأعرف علله وأدويته، وما أريد إلا الإصلاح له - ما استطعت - ولكن على منهج العلماء الربانيين، لا على منهج الماديين القاصرين!
رأيت أقواما حسبوا أنفسهم على أقوام، فذهبوا بذهابهم، حين ذهبت دولتهم!
ورأيت أقواما حسبوا أنفسهم على الله، فما ذهبوا!
من تعلق بالفاني فني، ومن تعلق بالباقي بقي!
.........................…................................................
- لمن تعذر عليه وجود الشيخ المربي في هذا الزمان!
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ تقوم مقام الشيخ المربي عند عدمه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شيخ الأمة الأعظم، والصلاة عليه توصلك إليه، فتتصل روحك بروحه، فتحصل التربية والتزكية والتصفية والتخلية والتحلية والتجلية والتنقية والترقية!
واعلم أن تعلق المريد بشيخه؛ إنما هو تعلق روح بروح، لا تعلق جسد بجسد؛ لأن الروح ميدان التربية عندهم، وشيوخ الروح لا يموتون، وشيوخ الأجساد يموتون؛ لأن الروح لا تموت، فما تعلق بها لا يموت، وما قارب الشيء يأخذ حكمه.
اللهم اجمع بيني وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جسدا وروحا، يقظة ومناما، ظاهرا وباطنا، دنيا وآخرة!
فضيلة الدكتور محمد ابراهيم العشماوي
أستاذ علم الحديث جامعة الأزهر
التصوف هو : عبارة عن مرتبة الإحسان التى ذكرت فى حديث سيدنا جبريل عليه السلام.
وكان الْجُنيد يقول: طريقنا هذا -إلى الله- مقيد بالكتاب وَالسُّنَّة.
ولذلك قالوا: إن طريقنا مقيد بالذكر والفكر.
تريد أن تسلك طريق الله، ماذا تفعل؟ عليك بالذكر ، قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ، والفكر {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}.
وبعد الذكر والفكر، تأتي: المناجاة، الدعاء .
وماذا أيضًا ؟ قلة المنام، قلة الطعام، قلة الأنام، قلة الكلام.
ومن أين أتي هذا الكلام ؟ سيدنا النبي ﷺ أوصانا بالصمت (قلة الكلام)، وقال: «إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتًا، فاعلموا أنه يُلَقَّى الحكمة».
وربنا سبحانه وتعالى يقول: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }، وقال ﷺ: «اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك، أضمن لك الجنة».
وكان شأن الأنبياء الصمت؛ حتى إن ابن أبي الدنيا أَلَّفَ كتابًا ضخمًا، أورد فيه كل الأحاديث الواردة عن فضيلة الصمت.
قلة الطعام: عندنا صيام شهر رمضان، وسيدنا رسول الله ﷺ ، كان يصوم الاثنين، والخميس، وكان يصوم ثلاثة من كل شهر، وكان يصوم أغلب المحرم، وأغلب شعبان، وكان يصوم التسعة الأوائل من ذي الحجة، وكان ﷺ يصوم كثيرا.
وعندما تحصي ما ورد في السُّنَّة عن الصيام، تجد أكثر من ست شهور، يعني نصف الدهر مع رمضان، فيكون أزيد من نصف الدهر –سبع شهور-.
قلة الطعام : سيدنا النبي ﷺ يقول : «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإن كان لابد فاعلًا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
قلة المنام : {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}.
ومعني التهجد : أن تترك النوم ابتغاء العبادة لها ثواب كبير، وقيام الليل وفضل قيام الليل.
قلة الأنام : معناها: الانكفاف عن الناس، العزلة الطيبة، التي تمكنك من التفكر والتدبر.
وهذا في الاعتكاف حتى إن الإمام الشافعي يوصينا أيضًا أخذًا من السُّنَّة: بأن الإنسان عندما يدخل المسجد، يقول: نويت سُنَّة الاعتكاف، جلس عشر دقائق، ربع ساعة، صلى وانصرف، مفيش مانع.
وهناك من سيأتي ويقول : أنت تريد من الناس أن تعتزل؟
فالسادة الصوفية وجدت حل لهذا الأمر فقالوا : "خلوتهم في جلوتهم".
فالسادة الصوفية لم يقولوا : انعزل، واحبس نفسك في البيت. لا، بل جعلوا عمل الإنسان بيده، واكتسابه لرزقه من عمل يده، هو أساس التصوف.
ولكن كيف أعتزل؟
قالوا : بقلبك، تعتزل بقلبك، درب قلبك على هذه العزلة، التي لا تغتاب فيها، ولا تَنِمْ، ولا تتكبر، ولا تدخل في مهاترات الناس، وأنت لست طرفًا فيها ، قلل من تبعاتك مع الخلق، وتفكر. هذه هى العزلة.
إذن العزلة هنا عزلة شعورية، قلبية، روحية، الغرض منها الطمأنينة، وعدم مخالطة المعاصي.
العزلة هنا معناها إتاحة مساحة أكثر للتفكر.
الصوفية التي تهتم بالذكر والفكر، تهتم أيضًا بالتخلية والتحلية "خلي قلبك من كل قبيح وحلي قلبك بكل صحيح".
ومن دعاء السادة أهل الله : " اللهم اجعل الدنيا في أيدينا، ولا تجعلها في قلوبنا"، لماذا؟
لأن الزاهد الحقيقي، هو مَنْ كانت الدنيا في يده، فزهد فيها؛ لكن الدنيا ليست في يديه، فهو زاهد كذاب، لأن الدنيا لم تأتي له أصلا فبماذا يزهد ؟
هو ليس له إِلَّا التواضع، وليس الزهد؛ لكن هتدعي الزهد، فلابد أن تكون الدنيا في يدك.
لقد صرنا نعيش في مجتمعات تسيطر عليها المادية وتحركها شهوات وأهواء، دفعت الإنسانية إلى ارتكاب أفظع الجرائم في حق الكون "الإنسان، والنبات ، والحيوان ، والجماد".
حتى صرنا مهددين بدمار العالم ، حيث إن طغيان المادة جعل الروح تنزوي وتضعف، وجعل العقل والفكر تتخبطه دوافع من المصالح الآنية والأغراض الذاتية.
وهنا يقوم التصوف بإصلاح ما فسد في حياتنا في العصر الحاضر، إنه يزيد فرصة التواصل مع الآخرين والتحاور والتعارف معهم من أجل خدمة الإنسان وتيسير سبل عيشه، وتبصرته بآخرته ومآله إلى ربه ومرجعه إليه، إن الإيمان بالله واليوم الآخر يدفع الإنسان إلى الإحسان إلى نفسه وتقويمها والمحافظة عليها ، وكذلك الإحسان إلى الخلق وتقديم النافع لهم وإبعاد الضار عنهم.
إن الجماعات الضالة التي نبذت التصوف؛ وحاربته ؛ واستقطبت شباب الأمة ورجالها ونساءها إلى ضلالها المبين؛ نشرت الخراب في بلاد الإسلام وغيرها، وشوهت صورة الإسلام في العالمين، بما ارتكبته من فظائع وجرائم، ولقد آن أن يتوقف هؤلاء النابتة الخوارج عما يفعلون، ويتركون فرصة لإصلاح ما أفسدوه، بالعودة إلى سماحة الإسلام وعظمته ورحمته، وتأصيل وسطيته الصحيحة ، وهداية الخلق وتعريفهم بصحيح الدين ، وجمال الشريعة.
من كتاب : مدخل إلى التصوف الإسلامي
إمام الائمة وبدر التتمه وحجة الشافعيه الإمام العلامه نور الدين على جمعه الشافعى الازهرى المصري