سيادة الإنسان المخلوق الذي فيه نفخة من الإله ؟!
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾المخلوق الذي أبرز الله إرادته ودلائل قدرته في كيانه، ليس من الملائكة، ولا من الجن، ولا من العوالم الأخرى التي عُرفت آنذاك، وإنما هو كائن زوِّد بطاقات تؤهله للاضطِلاع بالمهمَّة، والنهوض بالمسؤولية التي خُلق لها.
هذه النفخة التي سرت في كيانه، فمنحته الحياة العالية الكاملة، قد أصبح خَلْقًا متفرِّدًا بِصِفات تؤهِّله لخلافة الله في الأرض.
يُبتلى بالغرائز، وتصطرع في داخله الانفعالات والدوافع، ويمنح العلوم والمعارف، ويضرب في فجاج الأرض، إذ من ترابها يخلق، وعلى ظهرها يعيش ويرزق، وفي بطنها يدفن، ومنها يبعث، وله اليوم الآخر، وله يُنصَب الميزان، ويضرب الصراط، ومن أجله خُلقت الجنة والنار، ومجال عمله ومحك اختباره في دنياه، والعوالم كلها مخلوقة من أجله، وملائكة الله يقومون بأمره ليل نهار، وعمره على وجه الأرض يقاس بدورة الفلك، وأفول الشمس وبزوغ القمر، خليفة عن الله في أرضه بأمره، ويسجل ذلك في آخر كتبه، تنزيلاً على خاتم رسله، فيقول - جل شأنه -
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[البقرة: 30].
فإن المخلوق الذي فيه نفخة من الإله، وكان مقره الجنة، ثم نزل إلى الأرض منفاه وغربته، لا بدّ وأن يعمل من أجل العودة إلى أصله، ومن ثم فالفكر الصوفى هو فكر سيادة الإنسان. ومسئولية المفكر الصوفي تجاه البشر أن يأخذ بأيديهم في هذه المعركة – جهاد النفس (الجهاد الأكبر)- ويوصلهم إلى برّ الأمان .
إن هذا الفكر مضاد تماما لتصوف الزهد والانسحاب انه
تصوف الصراع والمواجهة والقتال ومن هنا تشيع روح الحنو على البشر والنظر بعين
الإشفاق بل وأحيانا الفهم لألوان ضعفهم فهذا الفكر ينزل إلى خضم الحياة ينازلها
ويصارعها وجها لوجه .
ففى مثل هذه المعركة التي تجري داخل الدم ولا تهدأ ، ولا هدنة فيها يقف العدو "
النفس ، الشيطان ، الهوى ، مغريات الدنيا ، الهوس " بالمرصاد ومن
ثم لا بد للمقاتل من معلم يرشده .
وليس صراع الإنسان في مقابل الأهواء وسعيه الحثيث نحو العودة إلى أصله قائماً على تجاهل هذه
الرغبات والأهواء ، أو نفيها بل على مقاومتها
مقاومة شديدة ، فالهروب هنا ليس يجدي ، وكيف يفر الإنسان من
نفسه التي بين جنبيه ، ومن شيطان يجري منه مجرى الدم .
فالهدف هو تحقيق سيادة الإنسان أن يكون بالفعل سيدا على
الأكوان كما خلق في الأصل والإنسان من حيث تكوينه متوسط المكانة بين الملك
والأنعام وهو لذلك يعيش في صراع بين الشهوة البهيمية والطهر الملائكي , فالملك
ينمو بالعلم والأنعام تنمو بالجهل وبين هذين الاثنين ظل الأدمى في صراع تارة يجذبه
العلم إلى أعلى عليين وتارة يجبره الجهل إلى الحضيض وليكن ما يكون .
والمعلم لا يدع السالك في هذا الصراع المرير بل
يوجه همته إلى ما فيه جوهر روحاني لو أقبل عليه بالرعاية والعناية لسما بنفسه فوق
الملائكة
وإدراك الإنسان لنبل عنصره واستعداده الروحاني
الهائل أمر ضروري وهام جدا لأنه يحمل الشرارة الأولى لانطلاق السالك في طريق
الحقيقة فالطريق محفوف بالمخاطر والعقبات وإدراك هذا الأمر هو الكفيل بتذليل
العقبات وتيسير الصعاب .
والإنسان ينبغي أن يكون وثيق الصلة بالعالم العلوي ,أما بالنسبة لهذا العالم المادي فيجب أن يحرص على ألا يربطه به إلا أوهى
رابطه ليسهل عليه التحرر منه فساعة الرحيل آتية لا محالة .
اتجاه الإنسان إلى الله أمرا ضروريا
لو غفل عنه
الإنسان تعرضت حياته للهلاك فلابد للسالك من التوجه إلى الله والإقبال عليه ,فلا
تفارقه بأية حال والزم بابه بذلة وخشوع ليحقق لك أعظم رفعة.
لا ينبغي أن تبتعد عنه للحظة واحدة فمن ذلك البعد
يتفاقم الفساد , انك تقول أعود وماذا يكون ؟ وستعود إذا انشرح القلب , إن الكثيرين
عدوا هذا الأمر سهلا , فكثير من المصاعب يبدوا في البداية ميسورا ,
لماذا يبدوا الأمر العسير يسيرا ؟ لان العقل يسلب
عقلك من الكمين , كن معه على أية حال تكون فيها , فان المحبة تزداد بقربك منه ولا تفر منه
ولما لا يقبل الإنسان على الحق ؟!
وهو البيئة الطبيعية للروح والموطن الأصلي للإنسان , فالاتجاه
إليه عودة إلى الوطن . فما دام هو الذى منحك الحياة وأعطاك الفكر لتقبل عليه
ولتفكر فيه وليكن سرورك كله به فكلك من عطاياه .
ومن يذق الدنيا فإني طَعمْتُها.... وسيق إلينا عَـذبها
وعـذابها
فلم أرها إلا غُروراً وباطلاً…. كما لاح في ظهر الفلاة سَرابُها
وما هي إلا جِيفةٌ مستحيلةٌ ....عليها كلابٌ هـمُّهن اجتِذابها
فإن تجتنبها عشت سِلما لأهلها…. وإن تجتذبها ناهـشتك كلابها
فطوبى لنفسٍ أُوطأت قعر بيتها ....مُغَلَّقَةَ الأبوابِ مُرخىً حجابها
فلم أرها إلا غُروراً وباطلاً…. كما لاح في ظهر الفلاة سَرابُها
وما هي إلا جِيفةٌ مستحيلةٌ ....عليها كلابٌ هـمُّهن اجتِذابها
فإن تجتنبها عشت سِلما لأهلها…. وإن تجتذبها ناهـشتك كلابها
فطوبى لنفسٍ أُوطأت قعر بيتها ....مُغَلَّقَةَ الأبوابِ مُرخىً حجابها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق